فصل الخصام في مسألة الإحرام
  فَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَضْرَبَ عَمَّا كَتَبَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ أَرْسَلَ رِسَالَةً فِيهَا تَقْرِيرٌ لِلأُولَى، وَأَنَّهُ أَجَابَ بِمَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ، وَأَنَّهُ أَبْدَى رَأْيَهُ، وَأَنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ العُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ العَمَلُ مِنْ بَعْضِ العُلَمَاءِ الآنَ، قَالَ: «وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْجَوَابِ عِبَارَاتٌ تُوهِمُ بَعْضَ الإِخْوَانِ العُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِمَنْ يَلْتَزِمُ خِلَافَ هَذَا، وَذِكْر عَدَمِ الْجَوَازِ ...» إلخ.
  ولم يُظْهِرْ فِيهِ أَيَّ رُجُوعٍ، وَكَيْفَ يَقُولُ: «عِبَارَاتٌ تُوهِمُ ...» إِلَى آخِرِهِ، وَهْيَ تَصْرِيحَاتٌ بِنِسْبَةِ أَقْوَالٍ إِلَى القَائِلِينَ، لَمْ يَقُولُوا بِهَا كَمَا يَرَاهَا الْمُطَّلِعُ.
  وَلَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا نَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ أَوْ إِلَى بَعْضِ العُلَمَاءِ.
  وَأَشَفُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ قَالَ: «لَا زِلْتُ وَلَنْ أَزَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُقْتَدِيًا بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ، مُقْتَفِيًا آثَارَهُمْ، مُتَّبِعًا آرَاءَهُمْ، لَا أَعْدِلُ بِهِمْ سِوَاهُمْ، وَسَأَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».
  وَنَقُولُ: إِنِّهُ لَمْ يُؤلِمْنَا مَا وَقَعَ إِلَّا أنَّكَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ، فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا؟
  ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِنِّي خَطِيئَةٌ فِي هَذَا أَوْ غَيْرِهِ فَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ العَظِيمَ التَّوَّابَ الرَّحِيمَ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ، أَوْ سَيئةٍ اقْتَرَفْتُهَا لِأَيِّ أَخٍ مُسْلِمٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، أَمَّا الْمَسْأَلَةُ فَللِنَّاظِرِ نَظَرُهُ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى مَن اتَّبَعَ مَا ظَهَرَ لَهُ تَرْجِيحُهُ، أَوْ قَلَّدَ مَن اخْتَارَ تَقْلِيدَهُ مِنَ العُلَمَاءِ الأَعْلَامِ، فَهَذَا مَا أَدِينُ اللَّهَ بِهِ وَأَعْتَقِدُهُ ...» إِلَى آخِرِهِ.
  وَهَذَا كَلَامٌ سَلِيمٌ، وَقَوْلٌ قَوِيمٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالرُّجُوعِ عَمَّا فِيهَا مِنَ الأَقْوَالِ الْمُخَالِفَةِ لِلوَاقِعِ، وَالرِّوَايَةِ عَنِ القَائِلِينَ لِمَا لَمْ يَقُولُوهُ، فَلَزِمَ البَيَانُ لِلْحَقِّ.
  أَمَّا هُوَ فَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَدْ غُلِبَ عَلَى أَمْرِهِ، أَوْ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَأَبْلَغَ جُهْدَهُ فلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَالْحُكْمُ للَّهِ العَلِيِّ الكَبِيرِ.