مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فصل الخصام في مسألة الإحرام

صفحة 231 - الجزء 1

  وَقَدْ وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ ÷ ذَلِكَ الْمِيقَاتَ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ لِمَنْ حَجَّ أَو اعْتَمَرَ.

  وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ÷: «لِمَنْ حَجَّ أَو اعْتَمَرَ ...»، مَنْ فَعَلَهُمَا قَطْعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْ أَرَادَهُما مَاشِيًا إِلَيْهِمَا، مُزَاوِلًا مُقَدِّمَاتِ أَعْمَالِهِمَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ ...}⁣[النحل: ٩٨]، وَ {إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ [فَٱغۡسِلُواْ] ...}⁣[المائدة: ٦]، أَيْ: أَرَدْتَ القِرَاءَةَ، وَأَرَدْتُم القِيَامَ، فَلِلإِرَادَةِ مَعَ التَّوَجُّهِ لِلْفِعْلِ تَأْثِيرٌ قَطْعًا.

  وَلَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «لِمَنْ حَجَّ أَو اعْتَمَرَ»، لِمَنْ أَرَادَ الإِحْرَامَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَعْنَاهُ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا.

  وَلَيْسَ الإِحْرَامُ إِلَّا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الحَجِّ، وَالأَخْبَارُ: «لِمَنْ حَجَّ»، أَوْ «أَرَادَ الحَجَّ».

  وَيَلْزَمُ عَلَى القَوْلِ هَذَا أَنَّ مَنْ وَصَلَ الْمِيقَاتَ، وَهْوَ يُرِيدُ الحَجَّ أَو العُمْرَةَ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الإِحْرَامَ بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ أَلَّا يَلْزَمَهُ الإِحْرَامُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَدْ أَرَادَ الإِحْرَامَ، وَلَيْسَ مِيقَاتًا إِلَّا لِمَنْ أَرَادَ الإِحْرَامَ.

  وَهَذَا خِلَافُ الْمَفْهُومِ الْمَعْلُومِ عِنْدَ الأُمَّةِ، وَخِلَافُ مَا رَوَاهُ الأَثْبَاتُ مِنَ الإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ الحَجَّ أَو العُمْرَةَ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتَ الَّذِي يَصِلُهُ إِلَّا بِإِحْرَامٍ.

  وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَلَّا يَكُونَ لِلْتَّمَتُّعِ ثَمَرَةً أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا القَوْلِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ، بَلْ يَكْفِيهِ أَلَّا يُرِيدَ الإِحْرَامَ مِنْهُ، بَلْ يُرِيدُ تَأْخِيرَهُ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ مَثَلًا، وَيَبْقَى فِي مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا بِدُونِ إِحْرَامٍ إِلَى وَقْتِ إِرَادَتِهِ الإِحْرَامَ.

  وَالْمَعْلُومُ عِنْدَ الأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ وَصَلَ أَيَّ الْمَوَاقِيتِ وَهْوَ حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ - أَيْ: مُرِيدٌ لَهُمَا - أَنْ يَتَجَاوَزَهُ دَاخِلًا إِلَّا بِإِحْرَامٍ.

  وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنَ التَّوْقِيتِ لَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ الْمِيقَاتُ