مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فصل الخصام في مسألة الإحرام

صفحة 232 - الجزء 1

  وَغَيْرُهُ عَلَى سَوَاءٍ، مَتَى أَرَادَ الإِحْرَامَ أَحْرَمَ مِنْ أَيِّ مَكَانٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْهُ.

  وَأَيْضًا لَا مَعْنَى عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ كُلِّ جِهَةٍ مِيقَاتٌ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الإِحْرَامَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ، فَيَصِحُّ لِلْمَدَنِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ «ذِي الْحُلَيْفَةِ» مُرِيدًا لِلْحَجِّ وَلَا يُحْرِمُ إِلَّا مِنْ «وَادِي السَّيْلِ» مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ الإِحْرَامَ إِلَّا مِنْ هُنَاكَ.

  وَكَذَا أَهْلُ كُلِّ مِيقَاتٍ يَتَجَاوَزُونَ مَوَاقِيتَهُمْ مُرِيدِينَ لِلْحَجِّ وَيُؤَخِّرُونَ الإِحْرَامَ إِلَى مِيقَاتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ مِيقَاتَهُمْ لَيْسَ مِيقَاتًا إِلَّا لِمَنْ أَرَادَ الإِحْرَامَ مِنْهُ.

  وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ بِسَفَرِهِ أَوْ مَشْيِهِ الحَجَّ؛ لِأَنَّهُ - كَمَا سَبَقَ - يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الحَاجِّ، وَأَنَّهُ حَجَّ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «لِمَنْ حَجَّ»؛ إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ مَنْ فَعَلَ الحَجَّ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ الإِحْرَامِ، فَلَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ الشَّرْعُ أَنَّهُ أَحْرَمَ وَلَا أَنَّه مُحْرِمٌ إِلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ، وَأَمَّا الحَجُّ فَقَدْ أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ فِعْلِهِ ضَرُورَةً، فَتَدَبَّرْ.

  وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ بِدُخُولِهِ الْمِيقَاتَ وَمُجَاوَزَتِهِ لَهُ غَيْرُ قَاصِدٍ بِذَلِكَ الدُّخُولَ وَالْمُجَاوَزَةَ الحَجّ.

  لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ وَقَّتَ الرَّسُولُ ÷ هَذَا الْمِيقَاتَ الَّذِي وَصَلْتَ إِلَيْهِ فَمَتَى وَصَلْتَهُ حَاجًّا فَلَا يَجُوزُ لَكَ مُجَاوَزَتُهُ وَتَعَدِّيهِ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى جَعْلِهِ لَكَ مِيقَاتًا مَتَى حَجَجْتَ لَا مَعْنَى لَهُ غَيْرَهُ، وَأَنْتَ فِي هَذِهِ الحَالِ مِمَّنْ حَجَّ قَطْعًا؛ إِذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَنْ حَجَّ: مَنْ أَكْمَلَ الحجَّ، بَلْ: مَنْ فَعَلَ مُقَدِّمَاتِهِ، مَعَ أَنَّكَ بِقَصْدِكَ الْمَدِينَةَ الْمُطَهَّرَةَ وَسَيْرِكَ إِلَيْهَا لَمْ يَنْقَطِعْ سَيْرُكَ لِلْحَجِّ فِي تِلْكَ الحَالِ؛ لِأَنَّكَ تُرِيدُ الحَجَّ الآنَ مِنْ هُنَاكَ، فَسَيْرُكَ هَذَا هُوَ لِلْحَجِّ وَالزِّيَارَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ مَن مَشَى لِأَيِّ حَاجَةٍ مِنَ الحَاجَاتِ غَيْرَ الْمَشْيِ لِلْحَجِّ بَعْدَ دُخُولِ الْمَوَاقِيتِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ سَيْرُهُ لِلْحَجِّ فِي تِلْكَ الحَالِ كَمَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَى مَطْعَمٍ أَوْ مَحَلِّ مَبِيتٍ أَوْ لِقَضَاءِ الحَاجَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ السَّيْرَ لَيْسَ إِلَى الحَجِّ أَو الْحَرَمِ.