مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فصل الخصام في مسألة الإحرام

صفحة 233 - الجزء 1

  وَعَلَى هَذَا فَلَا يَصِحُّ حَجُّ الأَجِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لاِنْقِطَاعِ سَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ لِلْحَاجِّ فِي ذَلِكَ أَجْرُ الحَاجِّ؛ لِخُرُوجِهِ فِي تِلْكَ الحَالِ عَنِ اسْمِ الحَاجِ.

  وَأَيْضًا فَلَا يُمْكِنُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ إِلَى الحَرَمِ أَوْ إِلَى الحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِغَيْرِ الْمَشْيِ إِلَى الحَرَمِ وَالحَجِّ، فَلَا يَلْزَمُ الإِحْرَامَ إلَّا مَنْ لَا يُعَرِّجُ عَلَى أَيِّ حَاجَةٍ غَيْرَ الْمَشْيِ الْمَقْصُودِ بِهِ الحَرَمَ أَوِ الحَجّ، وَهَذَا مُحَالٌ.

  لَا يُقَال: إِنَّ الْمَشْيَ لِتِلْكَ الحَاجَاتِ يَسِيرٌ، بِخِلَافِ السَّيرِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَكَثِيرٌ.

  لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ ثَمَّةَ دَلِيلٌ قَطّ عَلَى الفَرْقِ بَيْنَ الكَثِيرِ وَالقَلِيلِ مَهْمَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ عَنِ اسْمِ الحَاجِّ، وَاسْمِ مَنْ حَجَّ.

  لَا يُقَالُ: فَيَلْزَمُ أَنَّ مَنْ وَصَلَ الْمِيقَاتَ أَوَّلَ السَّنَةِ وَهْوَ مرِيدٌ لِلْحَجِّ آخِرَهَا، أَوْ بَعْدَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الهِنْدِ أَوْ مِصْرَ أَوْ لَنْدَنَ أَنَّهُ يَجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ.

  لِأَنَّا نَقُولُ: مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ لَهُ حَاجٌّ، وَلَا إِنَّهُ سَائِرٌ لِلْحَجِّ، وَلَا مُسَافِرٌ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الإِحْرَامَ إِلَّا مَنْ يَصِحُّ إِطْلَاقُ اسْمِ الحَاجِّ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ حَجَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ التَّوقِيتَ لِمَنْ حَجَّ لَا لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَجَّ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلَا شَرْعًا، فَلَيْسَ فِي سَفَرِ الحَجِّ، وَلَا هُوَ بِصَدَدِ الحَجِّ، وَلَوْ سَمَّاهُ أَحَدٌ حَاجًّا لَعُدَّ سَاخِرًا مُسْتَهْزِءًا، فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ أَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ؟

  وَلَقَدْ أَطْنَبْتُ فِي ذَلِكَ؛ لِقَصْدِ الإِفَادَةِ بِتَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِيضَاحِ مَا عِنْدِي فِي ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَ قَابِلًا فَأَقَلُّ مِنْ هَذَا يَكْفِيهِ، وَمَنْ لَا يَقْبَلُ فَلَا مَعْنَى لِمُعَانَاتِهِ.

  وَلَمْ أَقْصِدْ - كَمَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى - الإِنْكَارَ عَلَى مَنْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالتَّرْجِيحِ خِلَافَ هَذَا، وَأَقُولُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَبَشِّرۡ عِبَادِ ١٧ ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ}⁣[الزمر: ١٧ - ١٨].

  وَمَا كَانَ يُقَدَّرُ أَنْ يَحْدُثَ فِي هَذَا خِلَافٌ؛ لِمَا عَلَيْهِ الأُمَّةُ مِنْ أَنَّ الحَاجَّ مَتَى وَصَلَ الْمِيقَاتَ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ إِلَّا بِإِحْرَامٍ، وَحِينَ حَدَثَ الخِلَافُ لَمْ تَزَلِ الْمُرَاجَعَةُ وَالْمُذَاكَرَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ العُلَمَاءِ الأَعْلَامِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَأْلُوفَةِ بَيْنَ العُلَمَاءِ فِي مَسَائِلِ