مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فصل الخصام في مسألة الإحرام

صفحة 235 - الجزء 1

  وَغَيْرِ الصَّرِيحِ»، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ «الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ»، وَبَيْنَ «النَّصِّ وَالظَّاهِرِ».

  لَيْسَ فِي (الأَزْهَارِ) تَصْرِيحٌ قَطُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا فِيهِ النَّصُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُجَاوَزَةِ لِلآفَاقِيِّ، إِلَى قَوْلِهِ: «إِلَى الحَرَمِ».

  وَيُفْهَمُ مِنْهُ - بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ - جَوَازُهَا لِمَنْ لَمْ يَجْمَعِ الشُّرُوطَ.

  فَأَيْنَ التَّصْرِيحُ وَأَيْنَ النَّصُّ؟ وَلَكِنْ هَكَذَا يَصْنَعُ مَنْ يَكُونُ هَمُّهُ الجِدَال، وَتَكْثِيرَ القِيلِ وَالقَال.

  وَمَعَ هَذَا فَقَدْ فَهِمَ هَذَا الْمَفْهُومَ فَهْمًا مَغْلُوطًا - كَمَا سَبَقَ تَوْضِيحُهُ -، فَالسَّائِرُ لِلْزِّيَارَةِ قَبْلَ الحَجِّ قَاصِدٌ لِلْحَجِّ وَالزِّيَارَةِ، وَلَوْلَا قَصْدُ الحَجِّ وَالزِّيَارَةِ لَمَا سَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ سَيْرُهُ لِلْحَجِّ، وَلَمْ يُضْرِبْ عَنْهُ - كَمَا سَلَفَ -، فَهْوَ عَازِمٌ لِلإِحْرَامِ مِنْ «ذِي الْحُلَيْفَةِ»، وَقَاصِدٌ لَهُ.

  فَسَيْرُهُ إِلَيْهَا كَسَيْرِهِ مِنْ بيتِهِ إِلَى الْمِيقَاتِ الأَوَّلِ، وَلَوْ مَرَّ مِنْ بَعْضِ القُرَى الَّتِي لَيْسَتْ فِي وَسَطَ الطَّرِيقِ لَمَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مِمِّنْ حَجَّ، وَمِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ، الَّذِي رَتَّبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ عَدَمَ جَوَازَ الْمُجَاوَزَةِ لِلْمِيقَاتِ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِإِحْرَامٍ؛ إِذْ لَا مَعْنَى لِتَوْقِيتِهِ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ، فَإِنْكَارُ هَذَا شَبِيهٌ بِإِنْكَارِ الضَّرُورِيَّاتِ.

  ثُمَّ قَالَ: «وَاعْلَمْ أَيُّهَا السَّائِلُ أَنَّهَا لَمْ تَقْدَحْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ فِي قُلُوبِ بَعْضِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ قَبْلِ نَحْوِ عَامَيْنِ، وَإِلَّا فَكَانَ النَّاسُ يَعُدُّونَ ذَلِكَ فُرْصَةً لِيَدْخُلُوا الْمَدِينَةِ ...»، إِلَى آخِرِهِ.

  فَأَقُولُ: هَذَا عَجِيبٌ، بَل الحَقِيقَةُ الوَاقِعَةُ الْمَعْلُومَةُ - العَكْسُ، وَذَلِكَ أَنَّ انْقِدَاحَ الشُّبْهَةِ هُوَ فِي تَرْكِ الإحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ لِمَنْ دَخَلَهُ مِنَ الْحُجَّاجِ، وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ هِيَ الَّتِي حَدَثَتْ مِنْ قَرِيبٍ.

  وَقَوْلُهُ: «فَكَانَ النَّاسُ يَعُدُّونَ ذَلِكَ فُرْصَةً»، هَذَا خِلَافُ الوَاقِعِ قَطْعًا؛ فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا - أَيْ الحُجَّاجَ مِنْهُمْ - يُحْرِمُونَ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَمَا كَانُوا يَزُورُونَ إِلَّا بَعْدَ الحَجِّ، وَإِنَّمَا حَدَثَ العَزْمُ لِلْزِّيَارَةِ قَبْلَ فِعْلِ الحَجِّ مِنْ قَرِيبٍ.