مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فصل الخصام في مسألة الإحرام

صفحة 236 - الجزء 1

  فَفِي كَلَامِهِ إِيهَامٌ أَنَّ الْحُجَّاجَ فِي الأَعْصَارِ الْمَاضِيَةِ كَانُوا يُقَدِّمُونَ الزِّيَارَةَ وَلَا يُحْرِمُونَ، وَهْوَ خِلَافُ الوَاقِعِ قَطْعًا.

  ثُمَّ قَالَ: «وَلَا يَخْفَى أَنَّ القَائِلِينَ بِلُزُومِ الإِحْرَامِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ - وَلَوْ إِلَى غَيْرِ الحَرَمِ - كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِمَا يَفْعَلُهُ غَيْرُهُم الآنَ مِنَ الزِّيَارَةِ قَبْلَ الحَجِّ مُجَاوِزِينَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا؟»

  فَأَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللهمَّ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، فَلَمْ يَسْبِقْ لَنَا التَّمَسُّكُ بِذَلِكَ، وَلَا العَمَلُ بِهِ.

  فَإِنْ قَصَدَ غَيْرَنَا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَصِّصَ، أَوْ يَقُولَ البَعْض، وَلَا يَأْتِي بِعِبَارَةٍ تُفِيدُ الكُلَّ.

  وَمَعَ هَذَا فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ البَعْضَ كَانَ يَعْمَلُ ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَمَا فِي هَذَا مِنْ غَضَاضَةٍ أَوْ نَقْصٍ، فَهَذَا شَأْنُ أَهْلِ النَّظَرِ وَالاِجْتِهَادِ، يَرْجِعُونَ عَنِ القَوْلِ مَتَى تَرَجَّحَ لَهُمْ خِلَافُهُ، وَقَدْ عَدُّوا ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى غَزَارَةِ العِلْمِ، وَإِمْعَانِ النَّظَرِ.

  فَالتَّصْمِيمُ عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ خَطَأٌ هُوَ الْمَذْمُومُ عَقْلًا وَشَرْعًا.

  فَلِأَيِّ مَعْنًى يَأْتِي بِهَذِهِ العِبَارَةِ الَّتِي فِيهَا الإِيهَامُ عَلَى قَاصِرِي الأَفْهَامِ، أَفَهَذِهِ طَرِيقَةُ العُلَمَاءِ الأَعْلَامِ؟!.

  ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ كَانَ لِرَأْيٍ فَالاِجْتِهَادُ لَا يَثْبُتُ بِالرَّأْيِ».

  أَقُولُ: انْظُرْ أَيُّهَا النَّقَّادُ، وَهَلْ يَصْدُرُ هَذَا مِمَّنْ لَهُ مُسْكَةٌ أَوْ مَعْرِفَةٌ بِحَقِيقَةِ الاِجْتِهَادِ، وَهَل الاِجْتِهَادُ يَكُونُ إِلَّا بِالرَّأْيِ، وَهْوَ صَرِيحُ خَبَرِ مُعَاذٍ: «وَأَجْتَهِدُ رَأْيِي».

  وَلَيْسَ الْمَذْمُومُ إِلَّا الرَّأْيَّ الْمُجَرَّدَ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إِلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ.

  ثمَّ قَالَ: «وَإِنْ كَانَ لِدَلِيلٍ فَاللَّازِمُ إِبْرَازُهُ».

  وَنَقُولُ: الدَّلِيلُ وَاضِحٌ وَبَارِزٌ، وَهْوَ الأَخْبَارُ الْمَعْلُومَةُ فِي تَوْقِيتِ رَسُولِ اللَّهِ ÷ الْمَوَاقِيتَ لِمَنْ حَجَّ أَو اعْتَمَرَ، وَمَنْ أَرَادَ الحَجَّ.