مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فصل الخصام في مسألة الإحرام

صفحة 237 - الجزء 1

  فَإِنْ قَالَ: إِنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الحَجَّ بَعْدَ الزِّيَارَةِ.

  قُلْنَا: فَأَنْتَ إِذًا مُرِيدٌ الآنَ لِلْحَجِّ - وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ تَأْخِيرَ الإِحْرَامِ إِلَى بَعْدِ الزِّيَارَةِ -، وَإِلَّا فَيَلْزَمُ أَنْ يَجُوزَ الدُّخُولُ مِنَ الْمِيقَاتِ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ إِنْ كَانَ فِي عَزْمِهِ أَلَّا يُحْرِمَ إِلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ الحَجَّ إِلَّا بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَهْوَ كَقَوْلِكُمْ: إِنَّكُمْ لَا تُرِيدُونَ الحَجَّ إِلَّا بَعْدَ الزِّيَارَةِ سَوَاء سَوَاء، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ مَنْ يَتَدَبَّرْ.

  بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ - عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الإِحْرَامَ إِلَّا مَنْ قَصَدَ أَحَدَ النُّسُكَينِ - حَيْثُ يَكُونُ عَازِمًا عَلَى تَأْخِيرِ الإِحْرَامِ أَيَّامًا، كَمَنْ يَصِلُ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ بِأَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَى قَوْلِكُمْ - لَا يَكُونُ قَاصِدًا لِلْحَجِّ إِلَّا مَتَى أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ عَلَى الفَوْرِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ أَيَّ عَمَلٍ، أَمَّا وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَعْمَلَ أَيَّ عَمَلٍ قَبْلَ الإِحْرَامِ فَلَيْسَ عَازِمًا عَلَى الحَجِّ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ العَمَل.

  فَتَأَمَّلْ أَيُّهَا النَّاظِرُ وَفَكِّرْ تَجِدْ هَذَا عَيْنَ الحَقِيقَةِ، وَمَا أَرَدْتُ بِهَذَا إِلَّا النَّصِيحَةِ، واللهُ وَلِيُّ التَّسْدِيدِ.

  ثُمَّ قَالَ: «وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَدَارَكُوا مَا لَزِمَهُمْ مِنَ الدِّمَاءِ».

  أَقُولُ: قَدْ قَدَّمْتُ الكَلَامَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ مِنَّا، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الغَيْرَ فَهْوَ مِنَ الإِيهَامِ وَالتَّغْرِيرِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا غَلَطٌ وَاضِحٌ، فَلَا يَلْزَمُ الدمَ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ إِلَّا إِذَا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الإِحْرَامِ أَوْ دُخُولِ الحَرَمِ، وَهَؤلاءِ قَدْ أَحْرَمُوا مِنَ الْمِيقَاتِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ.

  وَأَيْضًا فَمَنْ عَمِلَ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الاِجْتِهَادِ فَقَدْ عَمِلَ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ نَظَرُهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ العَامَّةِ فَكَذَلِكَ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَا إِنْكَارَ فِي مَسَائِلِ الاِجْتِهَادِ.

  وَأَيْضًا فَالْمُحَرَّمُ بِالإِجْمَاعِ هُوَ الْمُجَاوَزَةُ بِلَا إِحْرَامٍ لِمُرِيدِ أَحَدِ النُّسُكَينِ، وَأَمَّا لُزُومُ الدَّمِ فَفِيهِ كَلَامٌ آخَر، كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي (كِتَابِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ).