الجوابات المهمة من مسائل الأئمة
  وَقَدْ تَنَاقَضَتِ القَضَايَا الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا، وَقَدْ عُرِفَ مَوْقِفُ الخَلِيفَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنْهَا، وَهْوَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْهَا، وَعَهِدَ بِهَا إِلَى عُمَرَ، وَهْوَ كَذَلِكَ لَمْ يَعْتَبِرْهَا، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ مَع فَرْضِ قُيُودٍ عَلَيْهِمْ مُنَافِيَةٌ كُلُّ الْمُنَافَاةِ لِلْشُّورَى(١).
  وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ إِجْمَاعُ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ عَلَى إِمَامٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ النَّصِّ أَقْوَى طَرِيقٍ.
  وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَلَمْ تَثْبُتِ الشُّورَى عَلَى حَقِيقَتِهَا إِلَّا فِي بَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ بَيْعَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ #، مَعَ أَنَّ إِمَامَتَهُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، وَلَكِنْ أَرَادَ # تَظَاهُرَ الْحُجَجِ، وَقَطْعَ الْمَعَاذِيرِ؛ لِمَا يَعْلَمُهُ مِمَّا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ نَكْثِ النَّاكِثِينَ، وَقَسْطِ القَاسِطِينَ(٢)، وَمُرُوقِ الْمَارِقِينَ، وَلِقَصْدِهِ جَمْعَ كَلِمَةِ الأُمَّةِ، وَلِمَعْرِفَةِ تَحَتُّمِ الوُجُوبِ عَلَيْهِ بِوُجُودِ النُّصْرَةِ.
  فَكَانَتْ بَيْعَتُهُ بِالإِجْمَاعِ مِنْ سَادَاتِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالعَقْدِ.
  وَلَقْدَ مَانَعَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ # وَدَافَعَهُمْ فَلَمَّا أَبَوا قَالَ لَهُمْ: (إِنَّ بَيْعَتِي لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا تَكُونُ خَلْفَ رِتَاجٍ(٣)).
(١) وقد ذكرها أصحاب التواريخ والسِّيَر، منهم ابن جرير الطبري في تاريخه.
(٢) «قَسَطَ قَسْطًا - مِنْ بَابِ ضَرَبَ - وَقُسُوطًا: جَارَ وَعَدَلَ أَيْضًا، فَهْوَ مِنَ الْأَضْدَادِ. قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّاعِ. وَأَقْسَطَ - بِالْأَلِفِ -: عَدَلَ، وَالِاسْمُ: الْقِسْطُ بِالْكَسْرِ. وَالْقِسْطُ: النَّصِيبُ، وَالْجَمْعُ: أَقْسَاطٌ، مِثْلُ: حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ». تمت من (المصباح).
وقال في (تاج العروس): «وَقَسَطَ يَقْسِطُ - من حَدِّ ضَرَبَ - قَسْطًا - بالفَتْحِ - وقُسُوطًا - بالضَّمِّ -: جَارَ وَعَدَلَ عَنِ الحَقِّ، وَهْوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ؛ لأَنَّ العَدْلَ عَنِ الحَقِّ هُوَ الجَوْرُ، ونَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ هَكَذَا، واقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْمَصْدَرِ الأَخِيرِ، فَفِي العَدْلِ لُغَتَانِ: قَسَطَ وأَقْسَطَ، وَفِي الجَوْر لغةٌ واحِدَةٌ: قَسَطَ بغيرِ أَلِف، وَمِنْه قَوْلُه تعالَى: وأَمَّا القاسِطُونَ فكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبَاً. قَالَ الفَرّاءُ: هم الجَائِرُون الكُفَّارُ.
وَفِي حَدِيثِ عَليٍّ ¥: (أُمِرْتُ بقِتَال النَّاكِثِينَ والقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ)، النَّاكِثُون: أَهْلُ الجَمَلِ؛ لأَنَّهم نَكَثُوا بَيْعَتَهم، والقاسِطُون: أَهْلُ صِفِّين؛ لأَنَّهُم جَارُوا فِي الحُكْمِ، وبَغَوْا عَلَيْهِ، والْمَارِقُون: الخَوَارِجُ؛ لأَنَّهُمْ مَرَقُوا من الدِّيْنِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ من الرَّمِيَّة، ...».
(٣) «(الرَّتَجُ) - مُحَرَّكَةً -: البابُ العظِيمُ، كالرِّتاجِ، ككِتَابٍ (و) قيل: (هُوَ البَابُ الْمُغْلَقُ)، وَقد أَرْتَجَ البَابَ، إِذا أَغْلَقَه إِغلاقًا وثيقًا». انتهى من (تاج العروس).
(*) - أحمد بن حنبل في (فضائل الصحابة) (٢/ ٧٠٨) رقم (٩٦٩)، ابن جرير الطبري في (تاريخ الأمم والملوك) (٤/ ٤٢٧) ط: (دار المعارف - مصر).