مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

(بحث في التوسل)

صفحة 348 - الجزء 1

  وَمَا مُحَمَّدٌ؟ وَمَنْ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ إنَّك لَمَّا أَتْمَمْتَ خَلْقِي رَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى عَرْشِكَ فَإِذَا عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ أَكْرَمُ خَلْقِكَ عَلَيْكَ؛ إذْ قَرَنْتَ اسْمَهُ مَعَ اسْمِكَ. فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ غَفَرْتُ لَكَ، وَهْوَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، وَلَوْلَاهُ مَا خَلَقْتُكَ»»⁣(⁣١) إِلَى آخِرِهِ.

  قُلْتُ: وَفِي هَذَا رَدٌّ صَرِيحٌ مُفْحِمٌ لِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَى مَا وَرَدَ مِنَ التَّوَسُّلِ هُوَ التَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ⁣(⁣٢).

  وَهْوَ وَإِنْ كَانَ مِنَ التَّأوِيلِ البَاطِلِ، الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَالَّذِي هُوَ خِلَافُ الْمَنْطُوقِ بِهِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ التَّلْبِيسُ بِهِ عَلَى مَنْ لَا قَدَمَ لَهُ رَاسِخٌ، أَمَّا هَذَا الْخَبَرُ فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِيهِ بِحَالٍ؛ إِذْ هُوَ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَهْوَ أَبْلَغُ وَأَدْخَلُ مِنَ التَّوَسُّلِ بِالْمَوْتَى مِنَ الأَنْبِيَاءِ $ وَنَحْوِهِمْ؛ إِذْ قَدْ وُجِدُوا.

  *******


(١) وله شاهدٌ يتقوَّى به ويعتضد، وهو ما ذَكَرَه ابنُ تيمية في (الفتاوى) (٢/ ١٥٠) من الطبعة الأولى، وهو في (٢/ ٩٥) من (طبعة دار الوفا)، قال: «قَدْ رَوَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بشران مِنْ طَرِيقِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي (الوفا بِفَضَائِلِ الْمُصْطَفَى ÷): حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْعَوَقِي، ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، عَنْ يَزِيدَ [كذا في المطبوعة: والصواب: بُدَيْل] بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ [كذا في المطبوعة، وهو تصحيف، والصواب: بن شَقِيْق]، عَنْ مَيْسَرَةَ، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَاسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَخَلَقَ الْعَرْشَ: كَتَبَ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَخَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ الَّتِي أَسْكَنَهَا آدَمَ وَحَوَّاءَ فَكَتَبَ اسْمِي عَلَى الْأَبْوَابِ وَالْأَوْرَاقِ وَالْقِبَابِ وَالْخِيَامِ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، فَلَمَّا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى نَظَرَ إلَى الْعَرْشِ فَرَأَى اسْمِي فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِك، فَلَمَّا غَرَّهُمَا الشَّيْطَانُ تَابَا وَاسْتَشْفَعَا بِاسْمِي إلَيْهِ»». قال الحافظ السَّيِّد عبد الله الغماري في (الرد المحكم المتين) (ص/١٣٩): «إسناد هذا الحديث قوي، وهو أقوى شاهدٍ وقفتُ عليه لحديث عبد الرحمن بن زيد»، وقال الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (١٣/ ٤٣١): «هَذَا حَدِيْثٌ صَالِحُ السَّنَدِ»، وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) (٦/ ٢٤٠): «وهذا سَنَدٌ قوي». وروى الحاكم في (المستدرك) رقم (٤٢٠٩) بسنده إلى مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ، قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ÷: مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ قَالَ: «وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ». قال الحاكم: «صَحِيحُ الْإِسْنَادِ»، وقال الذهبي في (التلخيص): «صَحِيْحٌ».

(٢) أي طلب الدعاء من النبيِّ ÷. تمت من المؤلِّف #.