مع ابن تيمية
  وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى مَاتَتْ فَاطِمَةُ &، وَهَلْ يَكُونُ فِي هَؤُلَاءِ أَثَرُ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ فَارِسِيَّةٍ؟!.
  وَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ رَجَّحَ عَلِيًّا بِأَنَّ الإِسْلَامَ يُقَدِّمُ الإِيمَانَ وَالتَّقْوَى عَلَى النَّسَبِ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلَامِ. إلخ، فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تَقْدِيمَ عَلِيٍّ # لأَجْلِ الإِيمَانِ وَالتَّقْوَى جَمْعًا بَيْنَ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلَامِ؛ لأَجْلِ نَسَبِهِ.
  فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ أَقْرَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ÷، وَإِنْ بَلَغَ فِي الاسْتِحْقَاقِ مِنَ الإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَيَّ مَبْلَغٍ؛ لأَجْلِ قَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ÷.
  فَقَدْ صَارَتِ القَرَابَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ÷ مَانِعَةً مِنَ الإِمَامَةِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَيْهَا الرَّسُولُ ÷ لَكَانَ ذَلِكَ أَثَرَ جَاهِلِيَّةٍ أَوْ فَارِسِيَّةٍ فِي حُكْمِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَأَضْرَابِهِ. سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
  وَانْظُرْ إِلَى مُبَاهَتَتِهِ وَإِنْكَارِهِ لِلْضَّرُورَةِ فِي قَوْلِهِ: «وَصَاحِبُ هَذَا الرَّأْيِ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي عَلِيٍّ، بَلْ كَانَ الْعَبَّاسُ عِنْدَهُ بِحُكْمِ رَأْيِهِ أَوْلَى مِنْ عَلِيٍّ».
  فَهَذَا كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ مَحْضٌ، لَيْسَ لَهُ أَيُّ شُبْهَةٍ أَوْ مُبَرِّرٍ، فَالْمَعُلومُ مِنْ جَمِيعِ الأُمَّةِ أَنَّ العَبَّاسَ ¥ لَمْ يَقُلْ وَلَا غَيْرُهُ إِنَّهُ أَوْلَى بِالأَمْرِ مِنْ عَلِيٍّ #.
  وَالْمَعْلُومُ كَذَلِكَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْلَى بِالأَمْرِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ حَتَّى تُوفِيَ، فَكَيْفَ يَقُولُ: «وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ إِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ؟».
  وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَهَذَا الْكَلَامُ غَنِيٌّ عَنِ التَّصَدِّي لِرَدِّهِ وَإِبْطَالِهِ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ(١).
  *******
(١) وانظر (لوامع الأنوار - الفصل الثاني) للإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي # ط ٢/ ٢٣٩/ج ١، (ط ٣) (ج ١/ ٣٥٥).