مع ابن القيم في زاد المعاد
  فَقَدْ جَعَلَ عَلِيًّا نَفْسَهُ؛ لأنَّه الْمَقْصُودُ بِأَنْفُسِنَا؛ إِذ الإِنْسَانُ لَا يَدْعُو نَفْسَهُ، وَجَمَعَهُ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا، كَمَا جَمَعَ نِسَاءَنَا، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا فَاطِمَةُ &، وَالْحَسَنَانِ ابْنَاهُ(١). أَتُنْكِرُهُ لأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ أَبَا بَكْرٍ وَهْوَ أَحَقُّ عِنْدَكَ مِنْهُم؟!(٢).
  · وَمَا تَفْعَلُ بِخَبْرِ الْكِسَاءِ الَّذِي لَفَّهُ عَلَيْهِم، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»؟ الْخَبَرُ الْمَعْلُومُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَهْلُ الصِّحَاحِ وَغَيْرُهُم.
  أَتَجْحَدُهُ لأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ أَبَا بَكْرٍ فِي الْكِسَاءِ وَلَا عَائِشَةَ، وَقَدْ طَلَبَتْهُ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ؟!
  · وَمَا تَقُولُ فِي خَبَرِ الرَّايَةِ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، كَرَّارٌ غَيْرُ فَرَّارٍ»، فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ(٣) لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، هَكَذَا فِي الصِّحَاحِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الفَضْلِ العَظِيمِ، الَّذِي تَتَقَاصَرُ عَنْهُ الْفَضَائِلُ، وَالشَّرَفِ الرَّفِيعِ الَّذِي تَتَضَاءَلُ دُونَهُ الْمَنَازِلُ. وَهْوَ كَذَلِكَ خَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الأُمَّةِ. أَتَقْدَحُ فِيهِ؛ لأَنَّه لَمْ يُعْطِ أَبَا بَكْرٍ، وَهْوَ أَحَقُّ عِنْدَكَ؟!
  وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحَاطُ بِهِ كَثْرَةً كِتَابًا وَسُنَّةً.
(١) في حاشية: الآية هي: {فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ ٦١}[آل عمران].
قلت: والمراد بأنفسنا هو الإمام علي وحده، فالرسول هو الداعي، وهو لا يدعو نفسه بل يدعو غيره، والجمع في أنفسنا للتكريم والتعظيم، وهو زيادة على التعظيم في جعل الإمام نفس النبي، فسلام الله عليه يوم ولد، وسلام الله عليه يوم مات، وسلام الله عليه يوم يبعث حَيًّا، حشرنا الله تعالى في زمرته، وسقانا بكفّه. تمت من والدنا المؤلِّف (ع).
(٢) قال الحاكم النيسابوري في (معرفة علوم الحديث) (ص/٥٠) ط: (دار الكتب العلمية): «وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الأَخْبَارُ فِي التَّفَاسِيْرِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَغَيرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ÷ أَخَذَ يَومَ الْمُبَاهَلَةِ بِيَدِ عَلِيٍّ وَحَسَنٍ وَحُسَينٍ وَجَعَلُوا فَاطِمَةَ وَرَاءَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: «هَؤلَاءِ أَبْنَاؤُنَا وَأَنْفُسُنَا وَنِسَاؤنَا، فَهَلموا أَنْفُسَكُم وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»».
قال البغوي في تفسيره (معالم التنزيل): «{أَبۡنَآءَنَا}: الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، {وَنِسَآءَنَا} فَاطِمَةَ {وَأَنفُسَنَا} عَنَى نَفْسَهُ وَعَلِيًّا ¥».
(٣) هكذا في الصحاح، وَدَوَّكُوا لَيْلَتَهُمْ؛ لِمَا في ذلك من الفضل العظيم الذي تتقاصر عنه الفضائل، والشرف الرفيع الذي تتضاءل دونه المنازل. تمت من والدنا المؤلِّف (ع).