مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع ابن القيم في زاد المعاد

صفحة 384 - الجزء 1

  هَذِي الْمَكَارِمُ لاَ قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ، فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا⁣(⁣١)

  {فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ ٤٦}⁣[الحج].

  وَهْيَ مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الأُمَّةُ، وَتَطَابَقَتْ عَلَى نَقْلِهَا النَّقَلَةُ.

  فَأَمَّا قَوْلُهُ: «أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ»، فَدَعْوَى مُجَرَّدَةٌ عَنِ الْبُرْهَانِ.

  وَأَمَّا «رَفِيقُهُ فِي الْهِجْرَةِ»، فَصَحِيحٌ، وَلَكِنَّ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَبِيتُ عَلَى فِرَاشِهِ؛ لِفِدَائِهِ بِنَفْسِهِ⁣(⁣٢).

  وَأَمَّا «أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ»، فَمِنَ الدَّعَاوَى الَّتِي لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا دَلَالةٌ، بَل الْبُرْهَانُ قَائِمٌ عَلَى خِلَافِهَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

  وَلَو لَمْ يَكُنْ إِلَّا سَبْقُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ # إِلَى الإِسْلَامِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ كُفْرٌ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

  وَجِهَادُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَاَلى الَّذِي لَا يُدَانِيهِ مُدَانٍ بِاتِّفَاقِ الخْلَائِقِ⁣(⁣٣).

  وَعِلْمُهُ الَّذِي رَجَعَتْ إِلَيْهِ جَمِيعُ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ، وَمِمَّا اشْتَهَر: «لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمُر».

  وَأمَّا قَوْلُهُ: «لَوْ كُنْتُ مُتِّخِذًا خَلِيلًا» إِلخ، فَهَذَا الْخَبَرُ الآحَادِيُّ، الَّذِي يَنْقُضُ أَوَّلَهُ آخِرُهُ، حَيْثُ قَالَ: «وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ»، فَفَضَّلَهَا عَلَى الْخُلَّةِ⁣(⁣٤).


(١) قال أبو الفرج في (الأغاني): «الشِّعْرُ لأُمَيَّةَ بنِ أَبي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ، وقيل: بل هو للنابغة الجَعْدِي، وهذا خطأٌ من قائله، وإنَّمَا أَدْخَلَ النابغةُ البيتَ الثاني من هذه الأَبيات في قصيدةٍ له عَلَى جهة (التضمين)». انتهى. وعزاه السيوطيُّ في (المزهر) (١/ ١٤٥) إلى أبي الصَّلْتِ بنِ أبي ربيعةَ الثقفي، والد أُمَيَّةَ، وقال: «ترويه بنو عامر للنابغة، والرواة مُجمعون أنَّ أبا الصلت قَالَهُ».

(٢) انظر (لوامع الأنوار) (ط ٣/ ٣/١٦).

(٣) قال ابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) (١/ ٢٤): «وَأَمَّا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ: فَمَعْلُومٌ عِنْدَ صَدِيقِهِ وَعَدُوِّهِ أَنَّهُ سَيِّدُ الْمُجَاهِدِينَ، وَهَل الجِهَادُ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا لَهُ! ... ، وهذا الفَصْلُ لَا مَعْنَى لِلاِطْنَابِ فِيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، كَالْعِلْمِ بِوُجُودِ مَكْةَ وَمِصْرَ وَنَحْوِهِمَا». وقال المحبُّ الطبريُّ في (ذخائر العقبى) (ص/٩٨): «وَشُهْرَةُ إِبْلَائِهِ بِبَدْرٍ وَأُحُدٍ وَخَيْبَرَ وَأَكْثَرِ الْمَشَاهِدِ قَدْ بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ، حَتَّى صَارَتْ شَجَاعَتُهُ مَعْلُومَةً لِكُلِّ أَحَدٍ بِالضَّرُوْرَةِ؛ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ».

(٤) أيُّ فَضْلٍ في هذا الحديث - لو صح - بعد ما جَعَلَت الروايةُ أخوةَ الإسلامِ أفضل، وهو أَمْرٌ لا يمتاز به أبو بكر؟ تمت من المؤلف (ع).