[الإرادة ومعناها في حق الله ﷻ]
  وَأَيْضًا فَلَيْسَتِ الْحِكْمَةُ فِي طَلَبِ الطَّاعَاتِ مِنَ العُصَاةِ هِيَ حُصُولُهَا، بَلْ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ، وَإِيضَاحُ الْمَحَجَّةِ، وَالتَّعْرِيضُ عَلَى الْخَيْرِ الْمُمْكِنِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنْهُ مَانِعٌ، وَهْوَ حَسَنٌ قَطْعًا، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ.
  وَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا حَقَّ التَّأَمُّلِ اتَّضَحَ لَكَ أَنَّ جَمِيعَ مَا طَوَّلَ بِهِ فِي هَذَا البَابِ تَطْوِيلٌ بِلَا طَائِلٍ.
  (٢) وَمِنْ (صفح/٢٧٦) قَوْلُهُ: «فَحِينَ عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِم(١)» إلخ.
  قُلْتُ: يُقَالُ: قَدْ صَرَّحُوا كَمَا أَفَدْتَ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِخِلَافِهِ، فَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِهِم. وَإِنَّمَا صَرَّحَ وَاحِدٌ مِنْهُم، وَهْوَ الشَّهْرسْتَانِيُّ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ؟
  فَمِنْ أَيْنَ صَحَّ حَمْلُ جَمِيعِ تَصْرِيحَاتِهِم عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ نَفْسهُ بِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقٌ لِلَّهِ تَعَالَى؟
  وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ فِي (التَّلْفِيقِ) هِيَ طَرِيقَةُ السَّيِّدِ الحَافِظِ فِي أَغْلَبِ أَبْحَاثِهِ وَإِيرَادَاتِهِ فِي (عَوَاصِمِهِ وَقَوَاصِمِهِ) وَ (إِيثَارِهِ)، أَنَّهُ يَتَلَمَّسُ أَيَّ عِبَارَةٍ لِأَحَدِ الْمُخَالِفِينَ فِيهَا أَدْنَى رَائِحَةٍ لِمَا يَرُومُ نِسْبَتَهُ إِلَى إِحْدَى الطَّوَائِفِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا، وَيُضِيفُ إِلَيْهَا مُوَافَقَةَ جَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الطَّائِفَةِ، وَيُعْرِضُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ صَرِيحِ نُصُوصِهِم وَتَصْرِيحَاتِهِم الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَهْيَ طَرِيقٌ أَوْهَى مِنْ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ.
  وَقَدْ أَفَادَ مَا ذَكَرْنَاهُ: الإِمَامُ الْمَنْصُورُ بِاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الوَزِيرُ ® فِي
(١) وهو قوله (ص/٢٧٥): «أَمَّا موافقة الأشعرية وأهل الأثر لهم في أن الله تعالى لا يريد المعاصي؛ فإنَّ ذلك ثَبَتَ بالنَّصِّ منهم والإقرار، لا بالإلزام والاستنباط، وذلك أَنَّ إمام علومهم العقليَّة صاحبَ (نهاية الأقدام) المعروف بالشهرستاني ذَكَرَ في كتابه هذا أَنَّ إرادةَ اللَّهِ تعالى عندهم لا يصحُّ أَنْ تَعَلَّقَ إلَّا بأفعاله سبحانه دون كسب العباد، سواء كان طاعةً أو معصية، وأنَّ معنى قولنا: إن الطاعات مرادة ومحبوبة ومرضية هو أنَّ الله تعالى يريد أفعاله التي تعلق بها، وهي الأمر والثناء في الدنيا، والثواب والثناء في الآخرة، ومعنى قولنا: إن المعاصي مكروهة ومسخوطة هو أن الله تعالى يريد أفعاله المتعلقة بها، وهي النهي والذم في الدنيا، والعقاب والذم في الآخرة، وَطَوَّلَ في هذا ...».