مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع العامري في بهجة المحافل

صفحة 413 - الجزء 1

  فَلَوْ كَانَ يُدْرِكُهُ أَيُّ بَصَرٍ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، أَوْ يُدْرِكُهُ أيُّ مُبْصِرٍ لَمَا صَحَّ⁣(⁣١)؛ إِذْ غَيْرُهُ جَلَّ وَعَلَا كَذَلِكَ، فَلَا خُصُوصِيَّةَ⁣(⁣٢).

  فَهْوَ مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ، لَا سَلْبِ الْعُمُوم⁣(⁣٣)، كَمَا هُوَ مَعْلُوم.

  وَقَوْلُهُ ø لِمُوسَى # - لَمَّا سَأَلَ لِقَوْمِهِ لَا لَهُ، فَهْوَ أَعْرَفُ بِاللَّهِ تَعَالَى،


(١) أي التمدح.

(٢) يقصد مولانا الإمام مجدالدين المؤيدي # أنَّ اللَّهَ تعالى لو صحَّ أنْ يَرَاهُ بعضُ المبصِرِيْنَ بالأَبصار في أيِّ حَال، لَما صَحَّ ذلك التَّمَدُّح؛ لأنَّ شأن المدائح الإلهية أنْ لا يشارك اللَّهَ تعالى فيها مشارِكٌ، وهذا الذي قالوه لا يدل عَلَى أيِّ مدح في الآية، لأنَّ كلَّ أَحَدٍ من الخلق كالملائكة عليهم الصلاة والسلام، والجن، بل والبشر، والأَحجار، وأكثر المرئيات لا تُدْرَكُ في كلِّ وقت لكلِّ بَصَرٍ، إنَّما تُدْرَكُ في بعضِ الأَوقاتِ والأَحوال لبعض الأبصار فيبطل بهذا: المدحُ الذي تَمَدَّحَ اللَّهُ تعالى به، لعدم اختصاصه بذلك الوصف، وهذا معلوم.

وقال مولانا السيد العلامة نجم آل محمد الكرام: الحسن بن الحسين بن محمد رضوان الله تعالى وسلامه عليهم في (التعليق الوافي في تخريج الشافي) للإمام الحجة المنصور بالله #: «واعلم بأنَّ الأشعرية يتأولون الآية على معنى: لا تُدركه جميعُ الأبصار في كلِّ وقت، بل بعضُ الأبصار في بعض الأوقات، ولا يخفى ما في تأويلهم من التحريفِ، وإلغاءِ فائدة كلام الحكيم؛ فإنَّه عَلَى قَوَدِ تأويلهم يكون اللَّهُ تعالى تَمَدَّحَ وَوَصَفَ نفسَه بصفةٍ يشارُكُهُ فيها حتى الجمادات، فإنَّ الجبالَ لا تُدْرَكُ بكلِّ بصرٍ في كلِّ وقتٍ ضرورةً، فلم يبقَ إلَّا أنَّه لا يُدْرَكُ بأيِّ بصرٍ في أيِّ وقتٍ، وأنَّ شأنَهُ ذلك؛ لكونه {لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ}⁣[الشورى/١١]. انتهى. فتأمل رمزات مولانا الإمام مجدالدين المؤيدي #.

(٣) ادَّعى كثيرٌ من القائلين بالرؤية أنَّ هذه الآية من باب سلب العموم، بمعنى: أنَّ هذا الحكم يدل على توجه النفي إلى الشمول، وإثبات بعض الأفراد، وقد بالغ الفخر الرازي في ذلك، وتبعه الشيخ ابن تيمية وابن القيم وغيرهما فيما هنالك.

قال الإمام الحجة مَجْدالدِّيْن المؤيدي (ع) في حاشية له على (الشافي) (ط ١/ ٢/٢٣٣) ما لفظه: «يقال: أمَّا أولًا: فهذه القاعدة ليست بِكُلِّية كما ذكروا في {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍ ٣٨}⁣[الحج]، مِمَّا يُعْلَمُ قطعًا أنَّ المراد عموم السلب لا سلب العموم. وأمَّا ثانيًا: فلكون العلة تقتضي العموم.

وَأمَّا ثالثًا: فالقاعدة المذكورة فيها نزاع طويل، وقد خالف فيها سيبويه والشلوبين وابن مالك، وقالوا في قول أبي النجم:

قَدْ أَصْبَحَتْ أُمُّ الْخِيَارِ تَدَّعِي ... عَلَيَّ ذَنْبًا كُلّهُ لَمْ أَصْنَعِ

لا فرق بين نصب (كل) ورفعه، قال سيبويه: رفع (كله) قبيح مثله في غير الشعر، إذ النصب لا يكسر النظم، ولا يخل المعنى. ووجه قبحه عنده: أن فيه تهيئة العامل للعمل، وقطعه عنه، مع أنه إنْ نَصَبَ أفاد سلب العموم، وإن رفع أفاد عموم السلب، وذلك واضح، والحمد لله تعالى». انتهى. وانظر كتاب التحف شرح الزلف للإمام الحجة مجدالدين المؤيدي # ٤٠٩، ط ٤.