مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع العامري في بهجة المحافل

صفحة 414 - الجزء 1

  وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الإِذْنِ، فَلِهَذَا شَارَكَهُمْ فِي الْعُقُوبَةِ -: {لَن تَرَىٰنِي}، وَعَلَّقَهُ عَلَى الْمُحَالِ، وَهْوَ اسْتِقْرَارُ الْجَبَلِ حَالَ دَكِّهِ.

  وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ لِقَوْمِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ٥٥}⁣[البقرة]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ قَالَ رَبِّ لَوۡ شِئۡتَ أَهۡلَكۡتَهُم مِّن قَبۡلُ وَإِيَّٰيَۖ أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ} الآيةَ [الأعراف: ١٥٥]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَقَدۡ سَأَلُواْ مُوسَىٰٓ أَكۡبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوٓاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ [فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ بِظُلۡمِهِمۡۚ]}، الآيةَ [النساء: ١٣٥].

  فَفِي كُلِّ هَذَا يَنْسِبُ اللَّهُ تَعَالَى السُّؤَالَ لِقَوْمِهِ⁣(⁣١).

  فَقَدْ نَدَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِمْ، وَكَرَّرَ تَوْبِيخَهُم عَلَى ذَلِكَ السُّؤالِ، فَلَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُم سَأَلُوا مَا لَا يُجوزُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَا هُوَ مُنَافٍ للإِلَهِيَّةِ.

  فَلَوْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يُدْرِكَهُ مُدْرِكٌ، أَوْ يُبْصِرَهُ مُبْصِرٌ فِي أَيِّ حَالٍ، مَا نَزَلَ بِهِمْ مَا نَزَل، وَهَذَا مَعْلومٌ لِمَنْ عَقَل.

  وَقَدْ رَوَوا فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٍ، فَمَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا فَهْوَ مَرْدُودٌ، وَمَا صَحَّ فَهْوَ مُتَأَوَّلٌ بِإِطْلَاقِ الرُّؤيَةِ عَلَى الْعِلْمِ، لِلأَدِلَّةِ العَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَحَلِّهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.


(١) ومن الأدلة الدالة على ذلك - أي أنَّ موسى # لَم يسأل الرؤيةَ لنفسه، بل عن سؤال قومه - ما حكاه الله تعالى: {أَمۡ تُرِيدُونَ أَن تَسۡـَٔلُواْ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِيمَٰنِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ١٠٨}⁣[البقرة].

روى ابن جرير الطبري في (تفسيره) آثارًا كثيرة تدل على ذلك، منها: عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ: {أَمۡ تُرِيدُونَ أَن تَسۡـَٔلُواْ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ}، وَكَانَ مُوسَى يَسْأَلُ فَقِيلَ لَهُ: {أَرِنَا ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ}.

ومنها: عَنِ السُّدِّيِّ: {أَمۡ تُرِيدُونَ أَن تَسۡـَٔلُواْ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ} أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهَ جَهْرَةً، فَسَأَلْتِ الْعَرَبُ رَسُولَ اللَّهِ ÷ أَنْ يَأْتِيَهُمُ بِاللَّهِ فَيَرَوْهُ جَهْرَةً.

ومنها: عَنْ مُجَاهِدٍ: فِي قَوْلِ اللَّهِ: {أَمۡ تُرِيدُونَ أَن تَسۡـَٔلُواْ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ}: أَنْ يُرِيَهُمُ اللَّهَ جَهْرَةً. ثم ذكر طريقين آخَرين عن مجاهد في ذلك.