مع العامري في بهجة المحافل
  وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مِمَّا وُضِعَا مُعَارَضَةً لِلْخَبَرِ الْمَعْلُومِ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَلَبِهِ ÷ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا لَنْ يَضِلُّوا مِنْ بَعْدِهِ، فقَالَ عُمَرُ: رَسولُ اللَّهِ ÷ قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُكُم كِتَابُ اللَّهِ. فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالاِخْتِلَافَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «قُومُوا عَنِّي».
  وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ÷، وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ. ثُمَّ بَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى. هَذِهِ رِوَايَةُ البُخَارِيِّ(١)، وَمُسْلِمٍ(٢).
  وَلَقَدْ فَهِمَ عُمَرُ مُرَادَ الرَّسُولِ ÷ مِنَ التَّأكِيدِ بِخِلَافَةِ أَخِيهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُمَرُ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ(٣).
  وَلَوْلَا أَنَّهُ ÷ قَدْ بَلَّغَهُم فِي يَوْمِ الغَدِيرِ وَغَيْرِهِ لَمَا اسْتَطَاعَ عُمَرُ وَلَا غَيْرُهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ تَبْلِيغِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
  وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى وَضْعِ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مَا فِيهِمَا مِنْ أَنَّهُ هَمَّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ، فَيَعْهَدُ إِلَيْهِمَا، فَكَيْفَ تَكُونُ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخَلْقِ فِي خِلَافَتِهِ عَلَى جِهَةِ الْمُسَارَّةِ لأَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ؟!
  فَأَيْنَ هَذَا مِمَّا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ ÷ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ فِي خَبَرِ الغَدِيرِ وَغَيْرِهِ؟!. هَذَا مَعْلُومٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنَ التَّمْيِيزِ.
  وَالْحَقُّ أَبْلَجُ مَا تُخِيلُ سَبِيلُهُ ... وَالْحَقُّ يَعْرِفُهُ ذَووا الأَلْبَابِ
  (٦) (ج ٢/ص ١٠٩) فِي سِيَاقِ رِوَايَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ & عِنْدَمَا سَأَلَتْهَا عَائِشَةُ أَنْ تُخْبِرَهَا بِمَا سَارَّهَا بِهِ الرَّسُولُ ÷. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَزَمْتُ عَلَيْكِ
(١) البخاري برقم (٧٣٦٦)، ورواه أيضًا بأرقام (٤٤٣٢) (١١٤) (٤٤٣١) ط (العصريَّة).
(٢) مسلم بأرقام (٤٢٣٢)، و (٤٢٣٣)، و (٤٢٣٤)، ط: (المكتبة العصريَّة).
(٣) انظرها في (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد (١٢/ ٢٠).
وروى نحوها ابن جرير الطبري في (تاريخه) (٤/ ٢٢٢)، وابن الأثير في (الكامل) (٢/ ٤٥٨).