مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الكلام في حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد»، والكلام على زيارة القبور]

صفحة 458 - الجزء 1

  وَقَوْلُهُ: «وَأَمَّا قِيَاسُ الْحَاضِرِ عَلَى الْمُسَافِرِ كَمَا قِيلَ فَوَهَمٌ؛ لِأَنَّ العِلَّةَ فِي الأَصْلِ هِيَ السَّفَرُ، وَهْوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الفَرْعِ، وَإِلَّا لَزِمَ مِثْلُهُ فِي القَصْرِ وَالفِطْرِ».

  قُلْتُ: يُقَالُ: لَيْسَ مِنَ القِيَاسِ فِي شَيءٍ؛ إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ العِلَّةَ السَّفَرُ، وَأَفْعَالُهُ ÷ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ حُجَّةٌ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ.

  وَلِهَذَا احْتَجَّ أَعْلَامُ أَهْلِ البَيْتِ كَالقَاسِمِ وَالهَادِي إِلَى الْحَقِّ $ بِذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا⁣(⁣١).

  وَالإِلْزَامُ بِالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ إِذْ قَدْ ثَبَتَ النَّصُّ القُرْآنِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ لَا غَيْرِهِ، وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ، وَاللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.

[الكلام في حديث «لا تشد الرحال إلاَّ إلى ثلاثة مساجد»، والكلام على زيارة القبور]

  (٧) وَفِي (صفح - ٢٤٦) مِنَ (الْجُزْءِ الثَّانِي) مِنْ (سُبُلِ السَّلَامِ) فِي حَدِيثِ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ».

  قَوْلُهُ: «بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، عَلَى أَنَّهُ نَفْيٌ، وَيُرْوَى بِسُكُونِهَا عَلَى أَنَّهُ نَهْيٌ».

  قُلْتُ: يُقَالُ: هَذَا وَهَمٌ عَجِيبٌ؛ فَإِنَّ الْمُضَعَّفَ لَا يَصِحُّ تَسْكِينُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ نَهْيًا؛ فَإِنَّمَا يُكْسَرُ لِلْتَّخَلُّصِ مِنَ السَّاكِنَيْنِ، أَوْ يُفْتَحُ لِلْتَّخْفِيفِ، وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلَ الْمُضَعَّفِ مَضْمُومًا جَازَ ضَمُّهُ للاتْبَاعِ، مِثْلُ: لَمْ يَمُدُّ.

  وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ الصَّفْحِ: «وَدَلَّ بِمَفْهُومِ الْحَصْرِ أَنَّهُ يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَالِ ...» إلخ⁣(⁣٢).

  قُلْتُ: يُقَالُ: الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ هَذَا الاسْتِدْلَال، وَهَذَا الإِعْمَالِ البَعِيدِ عَنِ التَّحْقِيقِ وَالاعْتِدَال، وَيُقَالُ عَلَيْهِ:


= قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ [أبي الشعثاء]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ÷ بِالْمَدِينَةِ ثَمَانِيًا جَمِيعًا، وَسَبْعًا جَمِيعًا، أَخَّرَ الظُّهْرَ، وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ». قلت: قوله: «أَخَّرَ الظُّهْرَ، وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ» مُدْرَجٌ، كما نصَّ على ذلك الألباني في (صحيح النسائي) (١/ ١٩٧) رقم (٥٨٨)، وقال الألباني أيضًا في (الإرواء) (٣/ ٣٦): «وَوَهِمَ بَعْضُ رُواةِ النَّسَائِيِّ فَأَدْرَجَهُ فِي الحَدِيثِ».

(١) وسيأتي زيادة بحث إن شاء الله تعالى تحت عنوان (فتاوى وبحوث).

(٢) نص كلامه: «وَدَلَّ بِمَفْهُومِ الْحَصْرِ أَنَّهُ يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَالِ لِقَصْدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ، كَزِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا؛ لِقَصْدِ التَّقَرُّبِ، وَلِقَصْدِ الْمَوَاضِعِ الفَاضِلَةِ؛ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ بِهَا وَالصَّلَاةِ فِيْهَا»، إلخ.