مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[القسم الأول]

صفحة 45 - الجزء 1

[بيان كيفية العَمَل بحديث العَرْض]

  وأمَّا كَيْفِيَّةُ الْعَمَلِ بِهِ، فَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ الظَّاهِرُ فِيهِ هُو: أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ لا يَتخَالَفَانِ، فَإنْ تَخَالَفَا رُدَّتِ السُّنَّةُ إليه؛ لأنَّه الثَّقَلُ الأَكْبَرُ؛ ولأَنَّ السُّنَّة بَيَانٌ لَهُ.

  وإنْ خَالَفَتِ السُّنَّةُ الآحَادِيَّةُ الْكِتَابَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ رُدَّتْ، وَحُكِمَ بأَنَّ الْحَدِيثَ مَكْذُوبٌ - أَي مَوْضُوعٌ -. وقَد اخْتُلِفَ في كَيْفِيَّةِ العَرْضِ عَلَى أَنْحَاء.

  فَقِيلَ: لاَ بُدَّ مِنْ عَرْضِ كُلِّ حَدِيثٍ، وَهَذَا يَصْعُبُ⁣(⁣١)؛ إِذْ بَعْضُ الأَحْكَامِ أُخِذَتْ مِن السُّنَّة فَقَط.

  وَقِيلَ: الْمُرَادُ: الْعَرْضُ الْجُمْلِيّ وَمَعْنَى فَلا يَأْبَاهُ الْكِتَابُ وَيُوجَدُ لَهُ فِيهِ مَاسَّة.

  وَقِيلَ: بَلْ يُعْرَضُ وَلَوْ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ}⁣[الحشر ٧].

  وَحِينَئِذٍ فَلا يُشْتَرَطُ إلَّا صِحَّةُ كَوْنِهِ عَنِ الرَّسُولِ ÷ مَعَ عَدَمِ مُعَارَضَتِهِ لِلْقَاطِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وأَمْكَنَ الْجَمْعُ فِي الظَّنِّيَّاتِ.

[بيان أنَّ ما في السنة على خمسة أقسام]

  فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَا فِي السُّنَّة عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:

[القسم الأول]

  [الأول]: مَا أَمْكَنَ عَرْضُهُ عَلَى الْكِتَابِ تَفْصِيلًا، وَهَذا لاَ إِشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ».

  قلتُ: وَمُرَادُ الإمامِ # أنَّه لا إشكالَ في صِحَّةِ العَمَلِ بموجَبِهِ؛ لأنَّه قد عُرِفَ حُكْمُهُ من الكِتَابِ، ولم يَكُنْ إلَّا مؤكِّدًا له إنْ صحَّ، فأمَّا الحديثُ فلا ثقةَ به إلَّا بِصِحَّةِ طَرِيقِهِ.

  نعم، ظاهرُ الخَبَرِ أنَّ مَا وَافَقَ الكتابَ فهو صحيحٌ من غير نَظَرٍ في طريقه؛ لقوله: «فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَهْوَ مِنِّي وَأَنَا قُلْتُهُ»، لكنَّهُ مخصوصٌ بالأدلةِ الموجِبَةِ للنَّظَر في طُرُق الأَخبارِ مثل قولِهِ ø: {وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ}⁣[هود ١١٣]، وقوله تعالى: {إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ}⁣[الحجرات ٦].


(١) أي إنْ فُسِّرَت المخالَفَةُ بالمغايَرَة كما سبق، ويدلُّ عَلَى أَنَّ ذلك هو المراد قولُهُ: إذ بعض الأحكام ... إلخ. تمت من المؤلف (ع).