مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع الشوكاني في القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد

صفحة 481 - الجزء 1

  قَالَ مَوْلَانَا الإِمَامُ الْحُجَّةُ مجدالدين بْنُ مُحَمَّدٍ #: لَا فَرْقَ بَيْنَ الأَخْذِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، أَوْ قَوْلِ عُمَرَ، فِي أَنَّ ذَلِكَ اتِّبَاعٌ لِلآرَاءِ.

  وَدَعْوَاهُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُتَابَعَةِ - إِنْ كَانَتْ بِلَا دَلِيلٍ - وَالتَّقْلِيدِ مُغَالَطَةٌ وَاضِحَةٌ، فَلَيْسَ التَّقْلِيدُ أَكْثَرَ مِنَ الْمُتَابَعَةِ بِلَا دَلِيلٍ، بَلِ الْمُتَابَعَةُ دَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَةِ التَّقْلِيدِ قَطْعًا.

  وَقَدْ سَبَقَ لِلْمُؤَلِّفِ إِنْكَارُ اتِّبَاعِ الآرَاءِ صَرِيحًا كَمَا سَبَقَ لَهُ فِي (صفحة - ٢٠) قَوْلِهِ: «عَنْ آرَاءِ الرِّجَالَ⁣(⁣١)»، وَفِي (صفحة - ٢١) قَوْلِهِ: «وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ عَنْ آرَائِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ»⁣(⁣٢)، وَقَدْ سَلَّمَ فِي (صفحة - ٢٤) أَنَّ ذَلِكَ تَقْلِيدٌ، وَأَنَّهُ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِجْتِهَادِ⁣(⁣٣)، ثُمَّ لَاوَذَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ⁣(⁣٤).

  وَرَجَعَ هُنَا يُغَالِطُ بِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِصْوَابٌ وَلَيْسَ بِتَقْلِيدٍ⁣(⁣٥)، مَعَ أَنَّ عُمَرَ قَدْ صَرَّحَ، وَهْوَ كَذَلِكَ صَرَّحَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِاللَّفْظِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَكْثَرَ هُوَ الْمُتَابَعَةَ.


= فَعرض أَبُو بكرٍ مَا قَالَ على الْقَوْم. فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: قد رَأَيْت رَأيا وسنشير عَلَيْك. فَأَما مَا ذكرت من الْحَرْب المجلية وَالسّلم المخزية فَنِعْمَ مَا ذكرتَ، وَمَا ذكرتَ أَن نغنم مَا أصبْنَا مِنْكُم وتردون مَا أصبْتُم منا فَنعم مَا ذكرت. وَأما مَا ذكرت: تدون قَتْلَانَا وَتَكون قَتْلَاكُمْ فِي النَّار، فَإِن قَتْلَانَا قَاتَلت فقتلت على أَمر الله، أجورها على الله، لَيْسَ لَهَا دياتٌ، فتتابع الْقَوْم على مَا قَالَ عمر. قال الحميدي: اخْتَصَرَهُ البُخَارِيُّ، ... ، وَأخرجه بِطُولِهِ أَبُو بكر البَرْقَانِيُّ فِي كِتَابه المخرَّج على الصَّحِيحَيْنِ».

(١) (ص/٣١).

(٢) (ص/٣٢)، والكلام فيه حول الحديث الذي رواه البخاري (برقم ٢٦٩٥) واللفظ له، ومسلم (٤٤٣٥)، ط: (العصرية) وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالاَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا [أي أَجيرًا] عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ.

(٣) في قوله (ص/٣٤): «وبالجملة فلو سلمنا أنَّ ذلك تقليد من عمر كان دليلاً للمجتهد إذا لم يمكنه الاجتهاد في مسألة، وأمكن غيره من المجتهدين الاجتهاد فيها: أنَّه يجوز لذلك المجتهد أن يقلد المجتهد الآخر، ما دام غير متمكِّن من الاجتهاد فيها ...».

(٤) في قوله (ص/٣٥): «لكان خاصًّا بتقليد علماء الصحابة في مسألة من المسائل ...»، وقد تقدم.

(٥) في قوله (ص/٣٦): «فلا شك أنَّ المتابعة في بعض ما رآه أو في كلِّه ليست من التقليد في شيء، بل من الاستصواب، ما جاء به في الآراء والحروب، وليس ذلك بتقليد».