مع الشوكاني في القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد
  وَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ: «أَنَّ عُمَرَ قَرَّرَ مَا وَافَقَ اجْتِهَادَهُ»(١)، مَعَ تَصْرِيحِ عُمَرَ بِأَنَّ رَأْيَهُ لِرَأْيِهِ تَبَعٌ.
  وَتَسْلِيمُهُ هُوَ بِأَنَّ ذَلِكَ تَقْلِيدٌ، وَكَذَا مُلَاوَذَتُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الآرَاءِ وَالْحُرُوبِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْحَرْبِ وَالسِّلْمِ فَهْيَ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْمُعَامَلَةِ قَطْعًا.
  فَلَمَّا أَعْيَاهُ الأَمْرُ، وَلَمْ يَسْتَطِعِ التَّخَلُّصَ مِنَ الاِحْتِجَاجِ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِآرَاءِ بَعْضِهِمْ رَجَعَ إِلَى الرَّمْيِ بِالْمَسْكَنَةِ وَالْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ(٢) مِنَ الْكَلاَمِ الَّذِي لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلَا جَدْوَى، وَإِنَّمَا هُوَ جِدَالٌ وَمِرَاء، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
  (٨) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ (صفحة ٢٧ - السطر الأول)(٣): «فَالْعَالِمُ يُوَافِقُ الْعَالِمَ فِي أَكْثَرَ مِمَّا يُخَالِفُهُ».
  قَالَ مَوْلَانَا الإِمَامُ مجدالدين الْمُؤَيَّدِيُّ #: الرِّوَايَاتُ صَرِيحَةٌ بِأَنَّهُمْ يَدَعُونَ قَوْلَهُمْ لِقَوْلِ ثَلاَثَةٍ، وَهْوَ عَيْنُ التَّقْلِيدِ، وَهْوَ يَدَّعِي بِأَنَّ ذَلِكَ مُوَافَقَةٌ لَا تَقْلِيدٌ، فَهْلَ يَخْفَى مِثْلُ هَذَا التَّحْرِيفِ وَالتَّزْيِيفِ، وَالْمُلَاوَذَةِ وَالْمُغَالَطَةِ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ أَوْ تَمْيِيزٍ.
  وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَبْقَ النِّزَاعُ إِلَّا فِي مُجَرَّدِ اللَّفْظِ، فَإِنْ سُمِّيَتْ مُتَابَعَةً فَهْيَ جَائِزَةٌ، وَإِنْ سُمِّيَتْ تَقْلِيدًا فَهْيَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ حُجَّةٍ تَمْنَعُ مِنَ التَّقْلِيدِ هِيَ حُجَّةٌ فِي مَنْعِ الْمُتَابَعَةِ بِلَا دَلِيلٍ، وَلَمْ يَرِدْ فِي لَفْظِ التَّقْلِيدِ حُجَّةٌ وَلَا شُبْهَةٌ، لَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ.
(١) (ص/٣٦)، (مكتبة الساعي).
(٢) في قوله (ص/٣٦): «وبالجملة فاستدلال مَن استدل بمثل هذا - على جواز التقليد - تسلية لهؤلاء المساكين من المقلِّدة بما لا يُسمن ولا يُغني من جوع».
(٣) (ص/٣٦)، (مكتبة الساعي).