مع العباس بن أحمد في تتمة الروض النضير
  كَمَا قَدْ شَكَا البَاقِرُ مِنْ أَنَّهَا وُضِعَتْ أَحَادِيثُ لَمْ تَكُنْ وَلَمْ تُخْلَقْ، وَكَمَا قَالَ ابْنُ نَفْطَوَيْهِ(١): وُضِعَتْ أَحَادِيثُ مُرَاغَمَةً لِبَنِي هَاشِمٍ.
  وَكَمَا قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: أَمَرَ مُعَاوِيَةُ بِوَضْعِ أَحَادِيثَ مُعَارَضَةً لِمَا رُوِيَ فِي عَلِيٍّ وَذَوِيهِ. فَلَعَلَّ هَذَا مِنْ ذَاكَ.
  وَمَنْ مَنَعَ مِنَ الْخُرُوجِ يَحُومُ إِلَى القَوْلِ بِوُجُوبِ طَاعَةِ الظَّالِمِ، وَأَنَّ وَلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَا ذُكِرَ هُنَا فَإِنَّمَا هُوَ مُلَاحَظَةٌ لِشُرُوطِ وُجُوبِ الْخُرُوجِ أَوْ جَوَازِهِ.
  وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِنَا: لَا يَجِبُ الْخُرُوجُ، أَوْ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مَعَ عَدَمِ تَكَامُلِ الشُّرُوطِ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا: تَجِبُ طَاعَةُ الظَّالِمِ.
  وَكَيْفَ يَكُونُ فُقْدَانُ شُرُوطِ وُجُوبِ الأَخْذِ عِلَى يَدِهِ وَالْخُرُوج عَلَيْهِ يَقْتَضِي وُجُوبَ طَاعَتِهِ؟ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ #: (أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ، فَإِذَا عَصَيْتُهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ). رَوَاهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ(٢).
  فَالَّذِي يَقَعُ بِهِ الإِشْرَاقُ، وَجَمْعُ شَمْلِ الأَحَادِيثِ هُوَ الْجَمْعُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ الآتِي فِي هَذِهِ الوَرَقَةِ: (حَقٌّ عَلَى الإِمَامِ ...) إلخ، فَهْوَ الْمُطَابِقُ لِلْقُرْآنِ: {لَا يَنَالُ عَهۡدِي
(١) انظر: (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد (١١/ ٤٦).
(٢) روى السيد الإمام أبو عبد الله العلوي # في (الجامع الكافي)، عن محمد بن منصور رضوان الله تعالى عليه وسلامه قال: «بَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ - أَنَّهُ قَالَ فِي بَيْعَتِهِ حِيْنَ بُويِعَ: (أَطِيْعُونِي مَا أَطَعْتُ اللهَ؛ فَإِذَا عَصَيْتُ اللهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ). قال محمد: جَعَلَهَا سُنَّةً لِمَنْ بَعْدَهُ».
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في (زوائد المسند) (٢/ ١٦٧) رقم (١٣٧٧) بإسناده عن علي # أنه قال في أثناء حديث: (أَلَا إِنِّي لَسْتُ بِنَبِيٍّ وَلَا يُوحَى إِلَيَّ، وَلَكِنِّي أَعْمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ÷ مَا اسْتَطَعْتُ، فَمَا أَمَرْتُكُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فَحَقٌّ عَلَيْكُمْ طَاعَتِي فِيمَا أَحْبَبْتُمْ وَكَرِهْتُمْ). قال الشيخ أحمد شاكر محقق (المسند): «إسنادُهُ حَسَنٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ».
ورواه أيضًا في زيادات (فضائل الصحابة) (٢/ ٨٨٨) رقم (١٢٢٢)، وذكره المحب الطبري في (ذخائر العقبى) (ص/٩٧)، ورواه الحاكم في (المستدرك) (٣/ ١٣٢) رقم (٤٦٢٢)، وقال: «صحيح الإسناد»، بزيادة: (وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِمَعْصِيَةٍ أَنَا وَغَيْرِي فَلَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ø؛ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ).