مع العباس بن أحمد في تتمة الروض النضير
  وَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْكَثِيرُ مِنْ هَذَا، لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {۞ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ}[الصافات ٢٢]، وَهُمْ أَعْوَانُهُم. وَأَيُّ إِعَانَةٍ أَكْبَرُ مِنَ الطَّاعَةِ؟!.
  فَكَيْفَ يُرْفَضُ هَذَا كُلُّهُ، أَوْ يُرَدُّ، أَوْ يُقَيَّدُ لِأَجْلِ خَبَرٍ أَوْ خَبَرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؟! يَقْضِي بِبُطْلَانِهَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ.
  وَالْمَعْلُومُ وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا لُفِّقَتْ مُسَاعَدَةً لِلْظَّلَمَةِ، وَمُصَانَعَةً لِدُوَلِ الْفَسَادِ.
  فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ قَدْ رَوَاهَا أَهْلُ الصِّحَاحِ.
  قُلْتُ: أَوَ كُلَّمَا فِي كُتُبِ الصِّحَاحِ مَعْلُومُ الصِّحَةِ يُعَارَضُ بِهِ الْكِتَابُ، وَمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً فِي السُّنَّةِ.
  أَوَ لَيْسَ قَدْ تُرِكَ الْعَمَلُ بِأَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ فِي الصِّحَاحِ؟!، وَنَصَّ أَئِمَّةُ النَّقْلِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى ضَعْفِ، بَلْ وَوَضْعِ بَعْضِ الأَخْبَارِ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، كَمَا ذَلِكَ مَعْلُومٌ لِمَنْ لَهْ أَدْنَى اطِّلَاع.
  وَقَد انْتَقَدَ الدَّارَ قُطْنِي وَغَيْرُهُ عَلَى نَحْوِ مِائَتَي خَبَرٍ فِي البُخَارِيِّ(١).
  وَنَصَّ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى بُطْلَانِ خَبَرَيْنِ فِي البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ(٢).
(١) في كتابه (الإلزامات والتتبع).
(٢) أمّا الحديث الذي في (البخاري): فهو حديث شَريك عن أنسٍ في (الإسراء)، وفيه: «سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ ÷ مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ: جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، ...». قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (١٣/ ٥٨٧):
«وَقَوْلُهُ: قَبْلَ أَن يُوحى إِلَيْهِ أَنْكَرَهَا الْخَطَابِيُّ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَعَبْدُ الْحَقِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٌ، وَالنَّوَوِيُّ، وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ - يَعْنِي هَذِهِ - أَوْهَامٌ أَنْكَرَهَا الْعُلَمَاءُ. أَحَدُهَا: قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ غَلَطٌ لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَبْلَ الْوَحْيِ؟! انْتَهَى».
وأمَّا الحديث الذي في (مسلم): فهو حديث عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّار، قال: «حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ ÷: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ، قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ، أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، أُزَوِّجُكَهَا، قَالَ: «نَعَمْ»». إلخ. قال ابن حزم: «هَذَا مَوضُوعٌ لَاشَكَّ فِي وَضْعِهِ، وَالآفَةُ فِيْهِ مِنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ». أفاده الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير. انظر (توضيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار) (١/ ١٢٩).