مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الفرق بين التخصيص والنسخ]

صفحة 55 - الجزء 1

  فالناسخ معارض للحكم السابق، لأن ظاهره الاستمرار، والمخصص معارض للعام فيما تناوله بالاضطرار.

  وهذا أَمْرٌ واضحُ المنَار، لا يَخفى عَلَى ذوي الأَبصار.

  وما قيل مِن أنَّ العَمَلَ بالتخصيص جَمْعٌ بينهما⁣(⁣١)، لا يَصْلُحُ، بل فيه دَفْعٌ لبعضِ الدَّلالة، والأَصلُ بقاؤها فيهما.

  فإن قلت: يلزمُكَ عَلَى هذا أَنْ لا تُخَصصَ عموم الكتابِ والأَخبارِ القطعيةِ بالسُّنَّةِ الآحادية.

  قلتُ: هو مذهبُ بعضِهِم، وحَكَى الإمامُ [المهدي محمد بن القاسم] عَدَمَ جوازِ ذلك عن الإمامِ الأَعظمِ زيدِ بْنِ عليٍّ @.

  وأنا أقول: لعَمْري إنَّه لَمَذهبٌ قويم، ومنهج مستقيم.

  واعلم أَرْشَدَنَا اللَّهُ وإيَّاكَ أَيُّها الراسِخُ الفَهْم، الثابتُ القَدَم - فأمَّا مَن قَعَدَ به القصور، فهو معذور، وليس عنده من جني الأَثمارِ إلَّا القشور.

  تَجِلُّ عَنِ الدَّقِيقِ فُهُومُ قَوْمٍ ... فَتَحْكُمُ لِلمُجِلِّ عَلَى الْمُدِقِّ⁣(⁣٢)

  واللَّهُ ø يعلمُ ما قَصَدْنا إليه من الخطاب - أنَّ هنا أصلًا أَصَّلوه، ومَسْلَكًا نَقَلوه وتَقَبَّلُوه، يجبُ فيه إِمعانُ النَّظَر الدقيق، حتى يقفَ الباحثُ في كتابِ ربِّهِ تعالى وسُنَّةِ نبيئه ÷ عَلَى مَحْضِ الحقِّ والتحقيق، فهو حقيقٌ بذلك أَيُّ حقيق، ومُلَخَّصُهُ ومعناه، وخُلاصَتُهُ ومؤدَّاه - كما يعلمُ ذلك ذو الإطِّلاع والانتقاد، الملي بالإصدار والإيراد - هو: أنَّ كُلَّ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَصْرِفَهُ دليلٌ عَمَّا وُضِعَ له، أو يَقْصِرَهُ عَلَى بعضِ مَدلولاتِهِ، أو يُعَيِّنَهُ في أَحَدِ موضوعاتِهِ فهو: ظَاهِرٌ مُحْتَمَلٌ، لا يُقْطَعُ بتناولِهِ لِمَا دَلَّ عليه، وإن كان قطعيَّ المتن، فهو ظنيُّ


(١) شرح الغاية (٢/ ٤٤٠).

(٢) لابن الرومي، كما في ديوانه (٢/ ٤٨٦)، ط: (دار الكتب العلمية)، ولفظ المطبوع: تضلُّ عن الدَّقِيْقِ عُقُولُ قَوْمٍ.