[الفرق بين التخصيص والنسخ]
  فالناسخ معارض للحكم السابق، لأن ظاهره الاستمرار، والمخصص معارض للعام فيما تناوله بالاضطرار.
  وهذا أَمْرٌ واضحُ المنَار، لا يَخفى عَلَى ذوي الأَبصار.
  وما قيل مِن أنَّ العَمَلَ بالتخصيص جَمْعٌ بينهما(١)، لا يَصْلُحُ، بل فيه دَفْعٌ لبعضِ الدَّلالة، والأَصلُ بقاؤها فيهما.
  فإن قلت: يلزمُكَ عَلَى هذا أَنْ لا تُخَصصَ عموم الكتابِ والأَخبارِ القطعيةِ بالسُّنَّةِ الآحادية.
  قلتُ: هو مذهبُ بعضِهِم، وحَكَى الإمامُ [المهدي محمد بن القاسم] عَدَمَ جوازِ ذلك عن الإمامِ الأَعظمِ زيدِ بْنِ عليٍّ @.
  وأنا أقول: لعَمْري إنَّه لَمَذهبٌ قويم، ومنهج مستقيم.
  واعلم أَرْشَدَنَا اللَّهُ وإيَّاكَ أَيُّها الراسِخُ الفَهْم، الثابتُ القَدَم - فأمَّا مَن قَعَدَ به القصور، فهو معذور، وليس عنده من جني الأَثمارِ إلَّا القشور.
  تَجِلُّ عَنِ الدَّقِيقِ فُهُومُ قَوْمٍ ... فَتَحْكُمُ لِلمُجِلِّ عَلَى الْمُدِقِّ(٢)
  واللَّهُ ø يعلمُ ما قَصَدْنا إليه من الخطاب - أنَّ هنا أصلًا أَصَّلوه، ومَسْلَكًا نَقَلوه وتَقَبَّلُوه، يجبُ فيه إِمعانُ النَّظَر الدقيق، حتى يقفَ الباحثُ في كتابِ ربِّهِ تعالى وسُنَّةِ نبيئه ÷ عَلَى مَحْضِ الحقِّ والتحقيق، فهو حقيقٌ بذلك أَيُّ حقيق، ومُلَخَّصُهُ ومعناه، وخُلاصَتُهُ ومؤدَّاه - كما يعلمُ ذلك ذو الإطِّلاع والانتقاد، الملي بالإصدار والإيراد - هو: أنَّ كُلَّ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَصْرِفَهُ دليلٌ عَمَّا وُضِعَ له، أو يَقْصِرَهُ عَلَى بعضِ مَدلولاتِهِ، أو يُعَيِّنَهُ في أَحَدِ موضوعاتِهِ فهو: ظَاهِرٌ مُحْتَمَلٌ، لا يُقْطَعُ بتناولِهِ لِمَا دَلَّ عليه، وإن كان قطعيَّ المتن، فهو ظنيُّ
(١) شرح الغاية (٢/ ٤٤٠).
(٢) لابن الرومي، كما في ديوانه (٢/ ٤٨٦)، ط: (دار الكتب العلمية)، ولفظ المطبوع: تضلُّ عن الدَّقِيْقِ عُقُولُ قَوْمٍ.