مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[بحث في الخصوص والعموم]

صفحة 56 - الجزء 1

  المدلول، إلَّا أَنْ يكونَ في مسائل الأصول عند أئمتِنَا $، وأتباعِهِم الفحول.

  وعَلَى هذا بَنَى الجمهورُ جوازَ التخصيصِ والتقييدِ للعمومِ والمطلَقِ من الكتابِ والمتواترِ بالآحادِ والقياسِ الظني.

  ويلزمُ عَلَى ذلك جوازُ النسْخِ كما قال به البعض؛ إذ لا فَارِقَ كَمَا سَبَق، وهذا أَمْرٌ جليلُ الْخَطَر، ذو شُجونٍ ونَظَر، يَتَرَتَّبُ عليه أَيُّ أَثَر.

  والذي نَدِينُ اللَّهَ تعالى به بعد إبلاغِ غايةِ الوُسْع، واستفراغِ نهايةِ الطاقة أنَّ هذا أصلٌ مختلُّ الأركان، مُنْهَدِمُ البنيان، لم تَقُمْ عليه حُجَّة، ولم يَنْتَهِجْ إليه برهان.

[بحث في الخصوص والعموم]

  ولنوجِّهِ الكلامَ بما يليقُ بهذا المقام في مسألة (الخصوص والعموم)؛ إذ عليها معظمُ مدارِ (المنطوق والمفهوم)، فأقول، وبمادة ربي أَصول:

  إنَّ المعلوم من الوَضْعِ - بالاتِّفاق - دَلالةُ صِيَغِ العمومِ عَلَى جميعِ أفرادِ مدلولاتِهَا دَلالة مُطَابَقَة عند الاطلاقِ عَلَى سبيل الاستغراق.

  وليس هذا مَحَلَّ النِّزَاع، فيتعينُ الكلامُ عليه بالأدلةِ القاطعةِ والإجماع، وقد تَقَرَّرَ في مَوْضِعِهِ.

  فيجبُ القَطْعُ حينئذٍ بِحُكْمِ العقلِ والشرعِ عند العِلْمِ بإطْلاقِ الخطابِ من الحكيمِ أنَّه قَصَدَ جميعَ مدلولاتِهَا، وأَرَادَ كلَّ فَرْدٍ من أَفْرَادِ مُتَنَاوَلاتِهَا، ومَا تَستلزمُهُ مِن الأَزمنةِ والأَمكنةِ والأَحْوَال، بلا ريبٍ في ذلك ولا احتمال، إلَّا أَنْ يُنْصَبَ لنا عَلَى خلافِهِ دليل، أويُنْتَهَجَ إلى إِرادةِ غيرِ ما دَلَّنَا عليه سبيل، تَحْكُمُ - كهذا الْحُكْمِ - به الأَلباب، ويزولُ عَمَّن طَرَقَ سَمْعَهُ ذلك الشكُّ والارتياب، وأيُّ رَيْبٍ بعد ذلك يَخْتَلِجُ، أو احتمالٍ يَتَرَدَّدُ ويَعْتَلِجُ {إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ}⁣[الإسراء ٩]، {لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ٤٢}⁣[فصلت]، {وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ}.