مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع العباس بن أحمد في تتمة الروض النضير

صفحة 585 - الجزء 1

  وَلَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ السَّابِقِينَ يُفَضِّلُونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ # عَلَانِيَةً عَلَى جَمِيعِ الأُمَّةِ، مِنْهُم: عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَلْمَانُ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَالْمِقْدَادُ، وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ، وَكَالْعَبَّاسِ عَمِّ رَسُولِ اللِّهِ، وَوَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ حَبْرِ الأُمَّةِ، وَسَائِرِ بَنِي هَاشِمٍ، وَغَيْرُهُم كَثِيرٌ.

  وَقَدْ أَقَرَّ بِذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ، وَرَوَوهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي (الاسْتِيعَابِ)⁣(⁣١)، وَ (صَاحِبِ التَّهْذِيبِ)⁣(⁣٢)، وَغَيْرِهِمَا⁣(⁣٣).

  وَإِنَّ الْعَجَبَ كُلَّ الْعَجَبِ صُدُورُ مِثْلِ هَذَا عَنْ أَكَابِرِهِم، وَأَقْرَبِهِم إِلَى الإِنْصَافِ، وَذَوِي قُوَّةِ البَاعِ، وَسَعَةِ الاِطِّلَاعِ كَابْنِ حَجَرٍ هَذَا، فَكَيْفَ بِأَرْبَابِ الْجَهَالَةِ وَالْعِنَادِ الوَاضِحِ مِنَ الأَتْبَاعِ؟ فَاعْتَبِرْ وَاسْتَعْبِرْ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

  وَانْظُرْ هَذَا التَّمَحُّلَ الْعَظِيم، وَالتَّوْجِيهَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيم.

  وَبِحَقٍّ إِنَّ هَذَا لَشَبِيهٌ بِمَقَالَةِ بَعْضِ الْجَهَلَةِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ÷ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ كَمَا قِيلَ.

  وَلَيْتَ شِعْرِي مَا هُوَ هَذَا الْمِيزَانُ الَّذِي قَدْ وَزَنُوا بِهِ الآيَاتِ وَالأَخْبَارَ، وَحَرَّرُوهَا حَتَّى لَا تَزِيدَ وَلَا تَنْقُصَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، فَلِلَّهِ دَرُّهُ مِنْ مِيزَانٍ، مَا هَذَا الإِحْكَامُ وَالإتْقَانُ؟، وَلَيْتَهُم أَبْدَوُه وَأَوْضَحُوهُ؛ لِتُوزَنَ بِهِ الآيَاتُ وَالأَخْبَارُ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا مِيزَانُ الْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ لِلْمَذْهَبِ.

  وَنَقُولُ: تَاللَّهِ قَسَمًا صَادِقًا يَشْهَدُ لَهُ الْبُرْهَانُ أَنَّ خَبَرًا وَاحِدًا، إِمَّا خَبَرَ الْمُوَالَاةِ، أَوْ خَبَرَ الْمَنْزِلَةِ دَعْ مَا سِوَاهَا - لَمْ يَرِدْ فِي حَقِّ أَحَدِ الصَّحَابَةِ مَا يُوَازِنُهُ، أَوْ يُقَارِبُهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُسَاوِيَهُ، وَلَكِنَّ الْهَوَى يُعْمِي وَيُصِمُّ.


(١) الاستيعاب (٣/ ١٠٩٠).

(٢) ابن حجر العسقلاني.

(٣) قد تقدَّم الكلام والحمد لله تعالى في هذا البحث في أول (القسم الثاني) من (مجمع الفوائد)، وانظر: (الفصل الثاني) من (لوامع الأنوار) للإمام الحجة مجدالدين المؤيدي # (ط ١/ ١/٢١٦)، (ط ٢/ ١/٢٨٤)، (ط ٣/ ١/٤٤٣).