[رجوع المؤلف الإمام إلى قول الجمهور بصحة التخصيص للعمومات من القرآن والمتواتر من السنة بأخبار الآحاد الصحيحة]
  مُجْمَعًا عليه لم يُبْحَثْ عن سَنَدِهِ كَمَا أَسلفناه لك، وهو مُقَرَّرٌ مرسوم، فيا سبحانَ اللَّه، ما بَالَهُ ضَلَّ عن هذه القاعدةِ الخصوم؟
  وعَلَى الجملةِ: إنَّ هذا الأَصْلَ لم يَتَقَرَّر بدليلٍ قاطع، ولا بُرهانٍ ساطع، وطالبُ الحقِّ الصريح، بالنَّظَرِ الثاقبِ الصحيح، لا تَرُوعُهُ القَعْقَعَةُ بالشَّنَان، ولا تَهُولُهُ مُجَاوَلَةُ الفُرْسان، ومُنَازَلَةُ الأَقْرَان، ولا تَمِيلُ به الرجالُ من يمينٍ إلى شمال، فيكون مِن دِينِ اللَّهِ عَلَى أَعْظَمِ زَوَال.
[رجوع المؤلّف الإمام إلى قول الجمهور بصحة التخصيص للعمومات من القرآن والمتواترِ من السنة بأخبار الآحاد الصحيحة]
  اعلمْ أنَّهُ بَعْدَ إِعَادَةِ النَّظَر، وتَكْرِيرِ البَحْثِ وَتَتَبُّعِ الأَثَر: تَقَرَّر عِندي صِحَّةُ التخصيصِ للعُموماتِ من القرآن، والمتواترِ من السُّنَّة: بأَخبارِ الآحادِ الصحيحة؛ لِمَا عُلِمَ مِن اكتفاءِ الشارعِ بتبليغِ الآحادِ في ذلك؛ إذ قد تواترت التخصيصاتُ بالآحاد لبعضِ العموماتِ القرآنيةِ، كقولِهِ تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ}[النساء ٢٤]، بِمَا وَرَدَ مِن تحريمِ نكاحِ المرأةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَو خالتِهَا، وكقولِهِ تعالى: {خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ}[التوبة ١٠٣]، ونحوِهَا مِمَّا يُفيدُ العمومَ في القليلِ والكثيرِ بخبر الأَوْسَاق(١)، وأَنْصِبَاءِ الذهب والفضة(٢)، وحَوْلِ
(١) روى الإمام الأعظم زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ @ في (المجموع) (ص/١٩٦)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ $، قَالَ: (لَيْسَ فِيمَا أَخْرَجَتِ أَرْضُ الْعُشُرِ صَدَقَةٌ مِنْ تَمْرٍ، وَلَا زَبِيبٍ، وَلَا حِنْطَةٍ، وَلَا شَعِيرٍ، وَلَا ذُرَةٍ، حَتَّى يَبْلُغَ الصِّنْفُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، الوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ جَرَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ: فَمَا سَقَتِ السَّمَاءُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ سُقِي فَتْحًا أَوْ سَيْحًا فَفِيهِ الْعُشُرُ، وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشُرِ».
وحديث الأوساق رواه كثيرٌ من أئمتنا $، منهم الإمام أحمد بن عيسى في (الأمالي - مع رأب الصدع) (١/ ٥٥١)، والإمام الهادي إلى الحق في (الأحكام) (١/ ١٨١)، والإمام المؤيد بالله في (شرح التجريد) (٢/ ١٠٣)، والإمام الصوام القوام المتوكل على الله أحمد بن سليمان في (أصول الأحكام) (١/ ٣١٥)، والسيد الإمام الحسين بن بدر الدين في (الشفا) (١/ ٥١٦).
(٢) روى إمامُ الأئمة زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ @ في (المجموع) (ص/١٩٢) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ $: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ مِنَ الْوَرِقِ [الفضة] صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، فَإِنْ زَادَتْ فَبِالْحِسَابِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْعِشْرِينِ مِثْقَالاً [أي الذهب] صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ مِثْقَالاً فَفِيهَا =