فتاوى وبحوث فقهية
  وَقَد اسْتَدَلَّ القَاسِمُ وَالْهَادِي @ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ مُطْلَقًا بِجَمْعِهِ ÷ فِي الأَسْفَارِ، وَهْوَ اسْتِدْلَالٌ قَوِيٌّ؛ إِذْ لَمْ يُبَيِّنْ ÷ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي جَمْعِهِ هِيَ السَّفَرُ، كَمَا بَيَّنَ الْكِتَابُ أَنَّ الإِفْطَارَ لِلْمَرَضِ وَالسَّفَرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ}[البقرة: ١٨٤]، وَبَيَّنَ ÷ أَنَّ الْقَصْرَ لِلْصَّلَاةِ هُوَ لِلْسَّفَرِ.
  وَمُجَرَّدُ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي السَّفَرِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ إِلَّا لِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي الإِفْطَارِ وَالْقَصْرِ.
  فَفِعْلُهُ ÷ حُجَّةٌ عَلَى الإِطْلَاقِ، سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ إِلَّا لِدَلِيلٍ يَقْصُرُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا.
  وَقَد اسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ جَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ بِجَمْعِهِ ÷ الصَّلَوَاتِ فِي مَكَّةَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَهْوَ فِي السَّفَرِ، وَلَمْ يَقْصُرُوا الْجَوَازَ عَلَى السَّفَرِ، بَلْ أَجَازُوهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، مَعَ أَنَّهُ فِي الْحَضَرِ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَكَذَا سَائِرُ أَفْعَالِهِ ÷ سَوَاءٌ وَقَعَتْ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ لَا تَخُصُّ أَحْدَهُمَا إِلَّا لِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ.
  وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ لَهُمَا، وَأَنَّ وَقْتَي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقْتٌ لَهُمَا أَنَّهُ ÷ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ، وَلَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ، لَمَّا كَانَ وَقْتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مُخْتَصًّا بِهَا، وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، لَمَّا كَانَ وَقْتُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَقْتًا لِلأُخْرَى، وَإِنَّمَا التَّفْرِيقُ لِلْفَضِيلَةِ، أَوْ لِعَدَمِ الْعُذْرِ عَلَى حَسَبِ الْخِلاَفِ.
  وَكَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَرِيبٌ جِدًّا، حَيْثُ أَجَازُوا الْجَمْعَ لِلْسَّفَرِ وَلِلْمَرَضِ، وَلِلاشْتِغَالِ بِطَاعَةٍ، أَوْ مُبَاحٍ يَنْفَعُهُ، وَيُنَقِّصُهُ التَّوْقِيتُ، فَمَا بَقِي إِلَّا أَنْ يَتْرُكَ الأَوْقَاتِ الَّتِي شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى النِّدَاءَ إِلَيْهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَلَازَمَهَا الرَّسُولُ ÷ لَا لِمَعْنَى. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْصَّوَاب، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآب.