مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فتاوى وبحوث فقهية

صفحة 660 - الجزء 1

(الجواب على مسألة العملة الورقية)

  

  وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ الأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ.

  وَرَدَ إِلَيْنَا سُؤَالٌ حَاصِلُهُ: هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْعُمْلَةِ الْوَرَقِيَّةِ؟

  وَالْجَوَاب، وَاللَّهُ الهَادِي إِلَى الصَّوَاب:

  أَنَّ الْعُمْلَةَ الْوَرَقِيَّةَ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا عِنْدَ التَّمَلُّكِ لَهَا التِّجَارَةَ، فَلَا إِشْكَالَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا، كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ بِهَا إِلَّا القِنْيَةَ⁣(⁣١) لِلْحَاجَةِ إِنْ عَرَضَتْ، كَالتَّزْوِيجِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا مَحَطُّ النَّظَرِ.

  وَالْمُخْتَارُ: أَنَّهَا إِنْ لَمْ يُقصَدْ بِهَا التِّجَارَةُ عِنْدَ التَّمَلُّكِ لَهَا بِالاخْتِيَارِ فَلاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، كَسَائِرِ الْعُرُوضِ مِنَ الْبَنَادِقِ وَالسُّيُوفِ وَالأَسْلِحَةِ وَالسَّيَّارَاتِ الثَّمِينَةِ وَالدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ الرَّسُولُ ÷.

  وَقَدْ بَلَغَ عَنْ بَعْضِ العُلَمَاءِ إِيجَابُ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ تَحَرِّيًا وَتَشَدُّدًا فِي الإِيجَابِ عَلَى النَّاسِ، وَهْوَ عَكْسُ التَّحَرِّي الوَاجِبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، وَالرَّسُولُ ÷ يَقُولُ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا»، وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ #: (لَأَنْ أُخْطِيءَ فِي الْعَفْوِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُخْطِيءَ فِي الْعُقُوبَةِ).

  وَأَمَّا كَوْنُ العُمْلَةِ لَهَا مُقَابَلٌ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ يَقْتَضِي تَمْلِيكَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ لِلْذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

  وَأَمَّا قِيَاسُهَا عَلَى النُّقُودِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ بِطَرِيقٍ صَحِيحَةٍ.

  فَأَمَّا الْعِلَلُ الشَّبَهِيَّةُ وَالدَّوَرَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْمُخْتَارُ: أَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَمَدَةٍ، وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ القِيَاسُ إِلَّا بِالنَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ مَعَ اسْتِكْمَالِ شُرُوطِهَا الْمَعْلُومَةِ فِي الأُصُولِ.

  وَأَمَّا التَّعَلُّلُ بِجَعْلِهَا لِلْتِّجَارَةِ بِكَوْنِهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إِلَّا بِالْبَيْعِ لَهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛


(١) «(قَنَوْتُ) الْغَنَمَ وَغَيْرَهَا (قُنْوَةً) وَ (قَنَيْتُهَا قِنْيَةً) - أَيْضًا بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا فِيهِمَا -: إِذَا (اقْتَنَيْتَهَا) لِنَفْسِكَ لَا لِلتِّجَارَةِ. وَ (اقْتِنَاءُ) الْمَالِ وَغَيْرِهِ: اتِّخَاذُهُ». تمت من (مختار الصحاح).