مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فتاوى وبحوث فقهية

صفحة 703 - الجزء 1

  وَاسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنٍ كَمَا لَا يَخْفَى، غَايَةُ مَا يَجُوزُ الإِقْدَامُ عَلَيْهِ القَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ، وَهْوَ تَشْبِيهُ الْهَيْئَةِ بِالْهَيْئَةِ، وَالْوَجْهُ مُنْتَزَعٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ، كَقَوْلِهِ⁣(⁣١):

  كَأَنَّ مُثَارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُؤوسِنَا ... وَأَسْيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُهْ

  وَالْمَعْنَى: تَعَدُّدُ الإِدْرَاكَاتِ لِمَسْمُوعٍ وَمُبْصَرٍ وَمَشِيئَةٍ.

  وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الوَصِيُّ فِيمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا كَلَامُهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَمَثَّلَهُ).

  وَأَمَّا مَسْأَلَةُ (لَا يَقْضِي القَاضِي وَهْوَ غَضْبَانُ)، فَالنَّهْيُ لِلإِرْشَادِ؛ لِكَوْنِ حَالَةِ الغَضَبِ مَظَنَّة الغَلَطِ أَوْ الْحُمْقِ.

  وَأَمَّا الْمَئِنَّةُ⁣(⁣٢) الْمُتَعَلِّقَةُ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ أَوْ بُطْلَانِهِ فَهْيَ إِعْطَاءُ النَّظَرِ حَقَّهُ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ÷: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ»، وَحَدِيثِ: «الْحُكَّامُ ثَلَاثَةٌ: حَاكِمٌ فِي الْجَنَّةِ، وَحَاكِمَانِ فِي النَّارِ».

  وَهْوَ الْمُطَابِقُ لِقَوْلِهِ ø: {فَفَهَّمۡنَٰهَا سُلَيۡمَٰنَۚ وَكُلًّا ءَاتَيۡنَا حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ}⁣[الأنبياء: ٧٩].


(١) لبشار بن برد، كما في ديوانه (١/ ٣٣٥)، شرح (ابن عاشور).

وقال الشارح: النقع: غبار الحرب، أي النقع الذي أثارته الخيل والرجال في الزحف ... ، وهذا البيت هو الذي أكسب بشارًا شهرة في النبوغ في الشِّعْر، وذلك أنَّه جمع فيه تشبيه مُرَكَّب بمركب، فجمع تشبيهين في تشبيه، وبذلك فاق امرأَ القيس في التشبيه بقوله:

كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ... لَدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ وَالْحَشَفُ البَالِي

وقد نُقِلَ عن بَشَّارٍ أنه قال: ما زلتُ منذ أن سمعتُ قول امريء القيس مهتمًا بأن أشبه تشبيهًا مثله، حتى قلت: كأن مثار النقع. إلخ، وانظر: (شروح التلخيص) (٣/ ٣٤٨). ط: (دار البيان العربي).

(٢) «الْمَئِنَّةُ: العَلَامَة». تمت من (مختار الصحاح).

وقال ابن الأمير في (سبل السلام) (٢/ ٤٩) ط: (دار الفكر): «مئنة - بفتح الميم، ثم همزة مكسورة، ثم نون مشددة -: أي علامة ... ، وكل شيء دَلَّ على شيء فهو مَئِنَّة له».