[بحث في قبول الخبر الآحادي في الجرح والتعديل]
[بحث في قبول الخبر الآحادي في الجرح والتعديل]
  هَذَا، وَأَمَّا مَا أَشَرْتُمْ إِلَيْهِ مِنْ قَبُولِ الخَبَرِ الآحَادِيِّ فِي الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَاعْلَمْ أَيَّدَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ بِتَأْيِيدِهِ، وَأَمَدَّنَا وَإِيَّاكَ بِلُطْفِهِ وَتَسْدِيدِهِ، أَنَّ هَذَا الأَصْلَ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بَإِحْكَامِ أَسَاسٍ، وَهْوَ أَصْلٌ فِي الْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ، وَالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ. فَكَمْ مِنْ خَابِطٍ في الْمَهَامَهِ(١)، هَائِمٍ فِي مَهَاوِي تِلْكَ الطَّرِيقِ، ضَالٍّ عَنِ الحَقِّ وَالتَّحْقِيقِ.
  وَلَمْ يَزَلْ يَتَرَدَّدُ البَحْثُ هَذَا فِي النَّفْسِ، وَيَكْثُرُ النَّظَرُ فِيهِ حَالَ القِرَاءَةِ وَالدَّرْسِ؛ لِأَنَّ كَلِمَاتِ الْمُؤَلِّفِينَ فِيهِ تَضْطَرِبُ وَتَتَنَاقَضُ، وَأَقَاوِيلَهُم عِنْدَهُ تَخْتَلِفُ وَتَتَعَارَضُ.
  وَسَبَبُ الاِنْضِرَابِ: أَنَّهُ وَقَعَ خَلْطُ مَسْأَلَتَينِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُبَايِنَةٌ لِلأُخْرَى، إِحْدَاهُمَا: عِلْمِيَّةٌ، وَالأُخْرَى: عَمَلِيَّةٌ بِلَا امْتِرَاء.
  الأُولَى مِنْهُمَا: الحُكْمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِكَوْنِهَا تَقْتَضِي الكُفْرَ أَو الفِسْقَ، وَهَذِهِ عِلْمِيَّةٌ بِلَا كَلَامٍ.
  وَالأُخْرَى: كَوْنُ هَذَا الشَّخْصِ مَثَلًا ارْتَكَبَ مَا يُفَسَّقُ بِهِ أَوْ يُكَفَّرُ، وَهَذِهِ عَمَلِيَّةٌ بِلَا رَيْبٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمُعَامَلَةُ ظَاهِرًا، فَتُقْبَلُ فِيهَا الآحَادُ وَنَحْوُهَا(٢).
  وَتَرَى كَثِيرًا مِنَ الْمُؤَلِّفِينَ يَخْبِطُ فِي هَذَا خَبْطًا عَظِيمًا، وَيَخْلِطُ الكَلَامَ خَلْطًا جَسِيمًا، وَيَحْكُمُ عَلَى إِحْدَاهُمَا - لِمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ - بِحُكْمِ الثَّانِيَةِ.
  وَكَمْ تَجِدُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُقَامَاتِ عِنْدَ رِوَايَةِ صُدُورِ بَعْضِ الوَاقِعَاتِ الْمُتَبَيِّنِ حُكْمُهَا لَا سِيَّمَا فِي الخَوْضِ عَلَى أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ، يَقُولُونَ: هَذَا يَقْتَضِي التَّكْفِيرَ وَالتَّفْسِيقَ، وَهُمَا لَا يَجُوزَانِ إِلَّا بِقَاطِعٍ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهِمَا الآحَادُ، أَوْ: نَحْنُ مِنْ إِيمَانِهِمْ عَلَى يَقِينٍ، فَلَا نَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَّا بِيَقِينٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذِهِ العِبَارَة.
  وَلَوْ نَظَرَ لَعَلِمَ أَنَّ جَمِيعَ أَبْوَابِ الْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ، وَأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى القَطْعِ عَلَى مَغِيبِ أَحَدٍ غَيْرِ الْمَعْصُومِينَ، أَوْ مَنْ أَخْبَرُوا بِحَالِهِ.
(١) الْمَهْمَهُ والْمَهْمَهَةُ: الْمَفَازَةُ البَعيدَةُ، والبَلَدُ الْمُقْفِرُ (ج): مَهَامِهُ. تمت (قاموسًا).
(٢) كطُرُق الشَّهادة.