[كلام الإمام الهادي عز الدين بن الحسن @ في قبول الخبر الآحادي في الجرح والتعديل]
  قَالَ فِي (الْمِعْرَاجِ) عِنْدَ قَوْلِهِ فِي (الْمِنْهَاجِ)(١): «(وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الكُفْرُ بِالشَّرْعِ)، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَيْبِيٌّ لا يَعْلُمُهُ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ مَنْ عَلَّمَهُ بِتَعْلِيمِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّئِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يُعْلَمُ تَفَاوُتُ الْمَعَاصِي فِي كَوْنِهَا كُفْرًا، أَوْ كَوْنِ بَعْضِهَا أشدّ عِقابًا مِنَ البَعْضِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ.
  وَأَدِلَّةُ الشَّرْعِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا ظَنِّيٌّ، وَهَذَا النَّوعُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الإِكْفَارِ وَلَا التَّفْسِيقِ؛ لِأَنَّ الإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الأَدِلَّةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ فِي التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ لَا تَكُونُ إِلَّا قَاطِعَةً؛ لِأَنَّ الإِسْلَامَ مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ بِدَلِيلٍ مَظْنُونٍ».
  إِلَى أَنْ قَالَ: «لَا يُقَالُ: أَلَيْسَ مَنْ قَامَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى كُفْرِهِ، أَوْ أَقَامَ فِي دَارِ الكُفْرِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِنَفْسِهِ بِعَلَامَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ، وَيُعْتَقَدُ كَوْنُهُ كَافِرًا، وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ إِلَّا الظَّنّ؟
  لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَعَدَمُ التَّمْيِيزِ هُمَا الطَّرِيقُ إِلَى كُفْرِهِ، بَل الإِجْمَاعُ القَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الإِكْفَارُ عِنْدَ حُصُولِ أَحَدِ الأَمْرَيْنِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ كَوْنِهِ كافرًا فِي نَفْسِ الأَمْرِ، بَلْ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ.
  وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ يَجُوزُ إِجْرَاءُ أَحْكَامِ الكُفَّارِ بِمَا لَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنّ مِنَ الأَدِلَّةِ، كَأَخْبَارِ الآحَادِ، وَمِنَ الطُّرُقِ كَالشَّهَادَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الإِمَامُ الْمَنْصُورُ باللهِ # وَاخْتَارَهُ.
  قَالَ الفَقِيهُ حُمَيْدٌ: وَهْوَ مَذْهَبُ الْمُحَصِّلِينَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ، مَعَ عَدَمِ حُصُولِ العِلْمِ، وَقُبِلتْ فِي ذَلِكَ أَخْبَارُ الآحاد فِي عَصْرِهِ ÷، وَلِهَذَا هَمَّ بِغَزْوِ قَوْمٍ أَخْبَرَهُ الوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بِكُفْرِهِم، حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ [بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ]}[الحجرات ٦]، فَامْتَنَعَ ÷ لِأَجْلِ فِسْقِهِ، لَا لِأَجْلِ كَوْنِهِ وَاحِدًا». انْتَهَى كَلَامُهُ، عَلَيْهِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ.
(١) (المعراج) للإمام الأعظم عز الدين بن الحسن (ع) (شرح المنهاج) للعلامة يحيى بن الحسين القرشي ¦ (٤/ ٨٠).