[بحث في التحسين والتقبيح، وإدراكات العقل، وتخليط ابن الأمير في ذلك]
  الجواب: بل هذا خلافُ ما قَرَّرْتَهُ أنتَ أيُّها الأمير، ومنه يُعلمُ بُطلانُ جميعِ ما تُدَنْدِنُ حولَه من الاتِّفاق، وأنَّ حالَكَ في تفسيرِ كلامِهِم بخلافِ المعلومِ من مَرَامِهِم، وَرَدَّكَ للنقولاتِ الصحيحةِ عنهم أحق بقوله:
  صَارَتْ مُشَرِّقَةً وَصِرْتُ مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّب
  وأَنَّك إنما عَمدتَ إلى الإِلزاماتِ التي تَلْزَمُهُم فجعلتَهَا مذاهبَ لهم، وهم لا يَرتضونها، فإنَّهُم مُصَرِّحُون ضرورةً بنفي الْحَسَنِ والقَبيحِ العقليين(١)، وهذا لا يحتاج إلى تطويل.
  وأَمَّا إثباتُهُم صفةَ النَّقْصِ والكمالِ فإنَّما ذلك منهم مُغَالَطَةٌ ومُرَاوَغَة.
  وقد أَلزمهم محققوهم كالشريفِ وغيرِهِ المناقضة كَمَا تَرَى(٢).
(١) قال الجويني: «لا يُمْكِنُ التَّمَسُّكُ في تَنْزِيْهِ الربِّ تعالى عَن الكذبِ لِكَوْنِهِ نَقْصًا؛ لأنَّ الكذبَ عندنا لا يَقْبُحُ لِعَيْنِهِ». حكاه عنه في (شرح المقاصد) (٣/ ١١٧)، و (المسامرة) (ص/١٧٧).
قال الإمام الحجة مجدالدين المؤيدي # في (لوامع الأنوار): أي إنما يَقبحُ لنهي الشارعِ عنه عندهم؛ لنفيهم الْحُسْنَ والقُبْحَ عقلًا. وقال صاحب (التلخيص): «الْحُكْمُ بأنَّ الكذبَ نقص؛ إن كان عقليًّا، كان قولاً بِحُسْنِ الأَشياءِ وقُبْحِهَا عقلاً، وإن كان سمعيًّا لزم الدَّوْر»، حكاه عنه في (شرح المقاصد) (٣/ ١١٧)، و (المسامرة) (ص/١١٧). وقال الجويني في (الإرشاد) (ص/١٠٨): «لا معنى للحُسْنِ والقُبْحِ إلَّا نفس ورود الأَمر والنهي ...». وانظر (كتاب الأربعين) للرازي (١/ ٢٣٦ - ٢٣٧)، ومما نصَّ عليه هناك: «أنَّ القبيح لا يَقبحُ إلَّا بالشرع، وعلى هذا الأصل فإنَّه لا يَقْبحُ من الله تعالى شيء». وقال بعضهم: «لا يتم استحالة النقص على الله تعالى، إلَّا على رأي المعتزلة، القائلين بالقبح العقلي» حكاه التفتازاني في (شرح المقاصد) (٣/ ١١٦)، وابنُ الهمام في (المسايرة) (ص/١٧٧). وقال في (شرح المقاصد) (٣/ ٢٠٨): «العقل لا يَحكمُ بأنَّ الفعل حَسَنٌ أو قبيحٌ في حُكْم الله تعالى، بل ما ورد الأمر به فهو حَسَنٌ، وما ورد النَّهي عنه فقبيح، من غير أن يكون للعقل جهة مُحَسِّنَة أو مُقَبِّحَة في ذاته، ولا بحسب جهاته واعتباراته، حتى لو أَمر بما نَهَى عنه صار حَسَنًا، وبالعكس». انتهى. وانظر أيضًا (شرح المواقف) للشريف الجرجاني (٨/ ٢٠٢)، وكذا (المسامرة شرح المسايرة) (ص/١٥٦). وكذا (النهاية) للشهرستاني (ص/٢٠٨)، و (الأبحاث المسددة) للمقبلي (ص/٤٩١).
(٢) قال العضد الإيجي في (المواقف)، والشريفُ الجرجاني في (الشرح) (٨/ ١١٥): «(واعلم أَنَّه لم يظهر لي فَرْقٌ بين النَّقْصِ في الفعل، وبين القُبْحِ العقليِّ) فيه؛ فإنَّ (النَّقْصَ في الأَفعالِ هو القُبْحُ العقليُّ بعينه) فيها؛ (وإنَّمَا تختلفُ العبارةُ) دون المعنى، فأصحابنا المنكرون للقُبْحِ العقلي، كيف يَتَمَسَّكون في دَفْعِ الكذب عن الكلام اللفظي بلزوم النقص في أفعاله تعالى». وانظر أيضًا: (شرح المقاصد) للتفتازاني (٣/ ١١٦). وقال القاضي العلامة إسحاق العَبْدِيُّ ¦ في (إبطال العناد) (ط ١/ص ٣٧) في رَدِّهِ عَلَى الأشاعرة: «جعلهم الكذبَ صفةَ نقصٍ عينُ القولِ بالقُبْحِ العقلي، لأنَّا نسألهم: أين حَكَموا بأنَّ الكذبَ نقصٌ حتى يمتنعَ عليه تعالى؟، ولا يمكنهم الجواب إلَّا بأن يقولوا بالفرق بين الكذب والصدق، وهو خلاف مذهبهم، وأمَّا نحن فذلك ما كنا نبغِ ...».