مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

الفلق المنير بالبرهان في الرد لما أورده ابن الأمير على حقيقة الإيمان

صفحة 93 - الجزء 1

  وذلك لا يَقتضي أَنَّهُم قد صاروا عدليَّةً قائلينَ بالحَسَنِ والقبيح، كيف وهم مُصِرُّونَ عَلَى خلافه؟ منكرونَ له أَشَدَّ الإنكار، قد ملأوا بكلامِهِم فيه واحتجاجِهِم بُطُونَ الأَسْفَار.

  وعَلَى الجملةِ: أَنَّ المنازعةَ في هذا تَلْحَقُ بالْمُبَاهَتَةِ في البديهيات، نسألُ اللَّهَ تعالى السَّدَادَ⁣(⁣١).

  (٤): قال الأمير في (ج ١/صفح ٣٢٢): «وقوله⁣(⁣٢): العبد مجبور في أفعاله، يقال: لو كان كذلك بَطَلَ ما اتُّفِقَ عليه من إثباتِ إدراكِ العَقْلِ للقبيحِ والْحَسَنِ ...» إلخ كلامه.

  الجواب: الحمدُ للَّهِ عَلَى رجوعِكَ إلى مُوَافقةِ الأُمَّةِ المحمديَّة، من تَحَقُّقِ النزاعِ بين العدليَّةِ والْجَبْرِيَّة، وإدراكِكَ بنفسِكَ مناقضةَ كلامِك.

  فيقال لك: الأَمر عندهم كذلك معلومٌ قطعًا.

  وبمثلِ هذا من نُصوصاتِهِم المعلومةِ يَبْطُلُ ما ادَّعَيتَ من الاتِّفاق⁣(⁣٣)، ويَتَبَيَّنُ أنَّ ما طَوَّلتَ به لا طائلَ تحته، وإنما هي تخيلاتٌ نشأتْ من مناقضتِهِم ومُلاوذتِهِم، التي أدركها المحققون.

  وهي لا تَخْفَى على ذي نَظَرٍ صحيح، والله تعالى الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) وقد استوفى مولانا الإمام الحجة مَجْدالدِّيْن المؤيدي # البحث في هذا وغيره في (الفصل الثاني) من (لوامع الأنوار) (ط ١/ ١/٢٣٢)، (ط ٢/ ١/٣٠٢)، (ط ٣/ ١/٤٧٦).

(٢) أي ابن الإمام @ حكاية عن الأشاعرة.

(٣) انظر مثلًا (كتاب الأربعين) للرازي (١/ ٢٢١ - ٢٢٢)، وانظر (ص/٢٢٨)، ط: (دار الجيل)، حيث صرَّح الرازي بلزوم الجبر، وانظر (شرح المقاصد) للتفتازاني (٣/ ١٦٣)، ومما قال التفتازاني في ذلك البحث: «ولهذا ذهب المحققون إلى أنَّ المآل هو الجبر، وإن كان في الحال الاختيار، وأنَّ الإنسان مضطر في صورة مختار»، وكذا في (المسامرة شرح المسايرة) (ص/١١٧)، وانظر (الإرشاد) للجويني (ص/٩٨)، وكذا (شرح المواقف) للشريف الجرجاني (٨/ ٢٠٥).

وهذا لفظ المواقف مع الشرح: «(لنا) على أنَّ الحُسْنَ والقُبْحَ ليسا عقليين (وجهان):

(الأول: أن العبد مجبور في أفعاله، وإذا كان كذلك لم يحكم العقل فيها بحسن ولا قبح)؛ لأنَّ ما ليس فعلًا اختياريًّا لا يتصف بهذه الصفات (اتِّفاقًا)، منا ومن الخصوم ...».