الإمام المهدي (ع) والمعتزلة:
  إلى أن قال: والذي تقرر أن أصل هذا كله تشكيك الفلاسفة في التعلق، وأنه محال تعلق العلم والقدرة بالمعلوم، فأما هم فثلموا السور وبنوا على هذا قدم العالم، وأما المعتزلة أعني جمهورهم، فقالوا: بل ذوات العالم ثابتة في الأزل ليصح تعلق العلم بها، وليست بموجودة ولا أعيانها، واصطلحوا على حقائق للذوات والأعيان والثبوت والوجود، وغير ذلك مما هو مشروح في علم الكلام، هذا هو الذي أداهم إلى المناقضات والقول الطويل العريض في الذوات والصفات.
  إلى أن قال: ومما نقض عليهم به في استدلالهم على ثبوت الذوات بالعلم أنا نعلم بالنفي كنفي الشريك والمحال، ونحو ذلك مما لا يثبت، وأجيب بأجوبة ركيكة ليس هذا محلها، وهذه الفروق والاصطلاحات مما لا يعلم في الوضع اللغوي ولا الشرعي، سواء كان الوضع توقيفاً أو غيره، وكذلك خوضهم وتطرقهم بالأوهام في الأمور التي ضربت دونها حجب الغيوب، وتقحمهم في السدد التي حارت عندها الأفهام، وإن كان قد تؤول لهم بأنها عندهم أمور اعتبارية واصطلاحات سابرية ليست بأكثر من التعبير، لكن يقال: فما لهم والتضليل والتخطئة لبعضهم بعضاً بسبب هذه الخيالات، وما بالهم والتوسط بين الفلاسفة والأئمة، وهم يزعمون أن علمهم مأخوذ من علم أهل البيت، وأنهم أخذوا قواعد العدل والتوحيد عن وصي رسول الله ÷ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولا شك أنهم كذلك أخذوها عنه، ولكنهم أحدثوا في ذلك ما لم يكن منه، أيظنون أنه خفي على حجج الله من أهل بيت النبوة ما أثبته الفلاسفة الحائرون من الخيالات الخارجة عن حدود العقول، التي قطعوا فيها أعمارهم، فلم يقفوا منها والله على محصول، بل أوردتهم بضعف إدراكهم موارد الإشراك، وقادتهم بحيرتهم إلى مهامه الهلاك، فسبحان من باين خلقه بصفاته رباً كما باينوه بحدوثهم خلقاً. انتهى.
  قال الإمام الحجّة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي # في كتابه لوامع الأنوار ج ٢ ص ١٩٣ ط ٤: هذا، واعلم أنها قد جرت عادة الكثير من الناظرين بعدم التدبر لمقالات العلماء من موافقين ومخالفين، فتسبب عن ذلك الإفراط والتفريط، والخبط والتخليط، فترى البعض يشنّع فيما ليس الخلاف فيه إلا في التعبير، والبعض يصوّب