[167] الخليفة المنتصر بالله، أبو القاسم، محمد
  فأسقطوا وتبدّد نظامهم، وصار العساكر أتراكا وفراعنة ومغاربة، ولم يكن من تقدّمه من بني هاشم أسقطهم، وأما بنو أميّة فكانت دولتهم عربيّة محضة.
  وقال الثعالبي في «المضاف والمنسوب» عند ذكر القاضي يحيى بن أكثم(١) المشتهر بحبّ الغلمان: أنّ المأمون اقتدى به فاستكثر من شراء الغلمان الأتراك حتى ولي المعتصم فلم يبق ولم يذر، وبلغ خصيانه ثمانية عشر ألفا، وكان من الأتراك أمراء كبار كبغا الكبير وبغا الصغير وباغر وأمثالهم، فلمّا تغيّر المنتصر على أبيه وكان المتوكل قد قتل بعض عظمائهم وأوحشهم فدبّر بغا الصغير في قتله تدبيرا تمّ له، وكان المتوكل قد أهدى له الصمصامة سيف عمرو بن معدي كرب فاستلّه وأعجبه جوهره وقال: ينبغي أن أعطي هذا السيف غلاما شجاعا يقف به على رأسي إذا قعدت للناس، فدخل باغر فقال هذا له فأعطاه فلم يسلّه إلّا لقتله، ولما أراد بغا قتل المتوكّل استدعى باغرا فخلى به وقال: إني أردتك لأمر عظيم، وبغا يومئذ أميرهم، فقال باغر: لو أمرتني أن أتكئ على سيفي هذا حتى يخرج من ظهري لفعلت فشكره وقال: قد صحّ لي أن بغا الكبير يدبّر على قتلي وأحبّ أن تقتله فأستريح منه، قال باغر: هذا هيّن، قال: فإنه سيدخل عليّ يوم الخميس فكن حاضرا فمتى أشرت إليك فأضربه، وحضر باغر ينتظر الإشارة فلم يشر إليه حتى خرج فقال له باغر: أني رجوت رجوعه إلى الصلاح وما رأيت أن أقتل منّا عظيما، ثم مكث حينا فاستدعى به وقال: ان ابني يونس تغيّر عليّ وأحبّ أن تقتله وفعل كفعله الأوّل، فلما خرج قال: إنه ولدي وأشفقت عليه وتركه أياما واستدعاه، وقال: أردتك لأمر عظيم، قال باغر: قد أخبرتك بطاعتي في كلّ ما تريد، قال المتوكّل: قد ترى سوء صنيعه معنا وقبح فعله، وأحب أن تريحنا منه فأنظر كيف تجد نفسك فأطرق ساعة ثم قال: أقتله، ولكن كيف لي به وعليه الحجاب والحرس؟ قال: تمهله حتى يدخل الليل ويخلو للأنس وإنّما الحجاب منّا، وكان ذلك في نصف رمضان، فلمّا انتصف شوال هجم باغر نصف الليل في عصابة من الأتراك والسيوف بأيديهم مسلولة، وجاؤوا من باب الحرم، وكان المتوكّل يشرب وقد أخذ منه السكر ومعه الوزير الفتح بن خاقان والندماء والمغنون والبحتري الشاعر حاضر، وأقبلوا نحو المتوكل وهو على السّرير يقدمهم
(١) مرت ترجمته بهامش سابق.