[171] أبو سلمى، مطيع بن إياس الكناني الكوفي
  أعلم، فعاهدته على أن أديم فيها نظرا ولا أكلّمها بما يسوؤه، فأدخلني على أظرف خلق اللّه، فلما رأيتها لم أتمالك وأخذني الزّمع(١)، فقال لي: أسكن يا ابن الزانية، فسكنت قليلا، ووضع قلنسوته عن رأسه وكانت صلعته حمراء كأنّها أست قرد، فوجدت للكلام موضعا فقلت: [من مجزوء الوافر]:
  واري السّوأة الشوها ... يا حمّاد عن خشّه
  عن الأترجّة الغضّة ... والتفّاحة الهشّه(٢)
  فقال: فعلتها يا بن الزانية؟ فقالت: واللّه لقد أحسن، فقال لها: يا زانية، فقالت له: الزانية أمّه! وتثاورا فشقّت قميصه وبصقت في وجهه وقالت له: ما تصادقك وتدع مثل هذا إلّا زانية وخرجنا، وقد لقي كلّ بلاء، فقال لي: ألم أقل لك يا بن الزانية أنك تفسد عليّ مجلسي، وجعل يسبّني ويهجوني ويشكوني إلى أصحابنا، فقالوا لي: أهجه ودعنا وإيّاه، فقلت: [من مجزوء الوافر]:
  ألا يا ظبية الوادي ... وذات الحسد الرّاد(٣)
  وزين المصر والدّار ... وزين الحيّ والنّادي
  وحمّاد فتى ليس ... بذي عزّ فتنقاد
  بلا مال ولا ظرف ... ولا حظّ لمرتاد
  فتوبي واتّقي اللّه ... وبتّي حبل عجراد
  قال مطيع: فأخذ أصحابنا رقاعا وكتبوا الأبيات فيها وألقوها في الطريق، وأخذها حكم الوادي فغنّى فيها وشاعت وهجرني مدّة(٤).
  وقال مطيع: قال لي يحيى بن زياد الحارثي: انطلق بنا إلى صديقتي فلانة لتصلح بيننا، وبئس المصلح أنت فدخلنا عليها فجعل يعاتبها وأنا ساكت، فقال:
  ما يسكتك أسكت اللّه ناميك، فقلت [من الخفيف]:
  أنت معتلّة عليه وما زال ... مهينا لنفسه في رضاك
(١) الزمع: شبه الرعدة تأخذ الانسان.
(٢) الاترجه: فاكهة حماضها يسكن شهوة النساء ويجلو اللون والكلف وقشره في الثياب يمنع السوس.
(٣) الراد: مخفف الرأد وهو الرخص الليّن.
(٤) الأغاني ١٣/ ٣٠٧ - ٣٠٩.