نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر،

يوسف بن يحيى المؤيد (المتوفى: 1121 هـ)

[172] الخليفة المعز لدين الله أبو تميم، معد

صفحة 219 - الجزء 3

  المصدّق، وبعده ابنه محمد الحبيب، وكانوا أهل غلوّ في هؤلاء الأئمة، وكان محمد بن جعفر يؤمل أن تصير له دولة، وكان من دعاته أبو عبد اللّه الحسين بن زكريا الشيعي من أهل صنعاء اليمن وهو أحد رجال الدهر المشاهير، فسيّره إلى المغرب فلقي كتامة ودعاهم إليه، فأجابوه وعظمت دعوته، فلمّا مات محمّد عهد لولده عبيد اللّه وذلك في خلافة المكتفي، وكان بعسكر مكرم فهرب إلى الشام ثمّ إلى المغرب فانتظم أمره⁣(⁣١).

  قال المقريزي: لما مات المنصور باللّه إسماعيل بن القائم بالمنصورية استخلف ولده المعزّ وعمره أربع وعشرين سنة، فانقاد له البربر وأحسن إليهم، فعظم أمره واختصّ من مواليه بجوهر وكنّاه بأبي الحسن، وأعلى شأنه وقدره وعقد له على جيش كثيف فيهم الأمير زيزي بن مناد الصنهاجي، فسار الأمير أبو الحسن جوهر ودوّخ المغرب، وافتتح مدنا وقهر عدّة أكابر وأسرهم حتى انتهى إلى البحر المحيط، فأمر باصطياد سمكة منه وسيّرها في قلّة من أصحابه إشارة إلى أنه ملك سكان البحر المحيط، الذي لا عمارة بعده، ثم قدم غانما مظفّرا فعظم قدره عند المعزّ، واستدعى المعزّ في يوم شات عدّة من شيوخ كتامة فدخلوا عليه في مجلس قد فرش باللبود، وعليه جبّة وحوله أبواب مفتحة تفضي إلى خزائن كتبه، وبين يديه دواة وكتب، وقال: يا إخواننا أصبحت اليوم في مثل هذا البرد والشتاء فقلت لأم الأمراء وإنّها الآن لتسمع كلامي: أترى أين إخواننا يظنون أنا في مثل هذا اليوم نأكل ونشرب ونتقلّب في المثقّل والديباج والحرير والسمور والمسك والخمر والغناء، كما يفعل أرباب الدنيا ثم رأيت أن أنفذ إليكم فأحضرتكم لتشاهدوا حالي إذا خلوت دونكم، واحتجبت عنكم، وإني لا أفضلكم في أحوالكم إلّا فيما لا بدّ لي منه من دنياكم، وما خصّني اللّه به من إمامتكم، وإني مشغول بكتب ترد عليّ من المشرق والمغرب أجيب عنها بخطّي، وإنّي لا أشتغل بشيء من ملاذّ الدنيا إلّا بما يصون أموالكم وأرواحكم، ويعمر بلادكم ويذلّ أعداءكم، ويدفع أضراركم، فافعلوا يا شيوخ في خلواتكم مثلما أفعله ولا تظهروا التكبر والتجبّر فينزع اللّه النعمة عنكم، وينقلها إلى غيركم، وتحنّنوا على من وراءكم ممن لا يصل إليّ كتحنّني عليكم، يستطيل في الناس الجميل، ويكثر الخير والعدل، وأقبلوا بعدها على نسائكم، وألزموا الواحدة التي تكون لكم،


(١) الخطط المقريزية ١٥١ - ١٥٢.