[172] الخليفة المعز لدين الله أبو تميم، معد
  واعلموا أنكم إذا قبلتم ما أمرتكم، رجوت أن اللّه يقرّب علينا أمر المشرق كما قرّب علينا أمر المغرب بكم، إنهضوا رحمكم اللّه ونصركم(١).
  ثم استدعى يوما بجوهر وهو في القصر وأخرج له صناديق مملوءة دنانير وقال: خذها واختمها بخاتمك، فإنّي أريد أنفقها على جميع العساكر بسبب الدّيار المصرية، وكانت أربعة وستين ألف ألف دينار، وذلك سنة ثمان وخمسين إلى سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وأخذ في تجهيز جوهر لأخذ مصر حتى تهيّأ أمره وبرز للمسير.
  ولما قدمت كتب القائد جوهر بالبشرى لأخذ مصر كتب المعزّ: إحذر أن تبتدي آل حمدان بمكاتبة ترغيبا، ومن كتب منهم فأجبه بأحسن جواب ولا تستدعيه إليك، ومن ورد منهم فأحسن إليه، ولا تمكّن أحدا منهم من قيادة الجيش فإنهم يتظاهرون بثلاثة أشياء عليها مدار العالم وليس لهم فيها نصيب، منها الشجاعة وشجاعتهم للدنيا لا للآخرة(٢)، وسكت المقريزي عن الخصلتين.
  قال: وكانت قد جلبت من المغرب صبيّة لتباع بمصر فعرضها جالبها بمصر وطلب فيها ألف دينار، فحضرت إليه في بعض الأيام امرأة شابّة على حمار فنظرت الصبيّة ثمّ ساومته فيها وابتاعتها بستمائة دينار، فإذا هي ابنة الأخشيد محمد بن طغج، بلغها خبر هذه الصبيّة فلما رأتها شغفتها حبّا فاشترتها لتتمتع بها، فعاد الجالب لها إلى المغرب وأخبر المعزّ، فأحضر الشيوخ وأمراءه فقصّ عليهم القصة، وقال لهم المعزّ: لم يبق شيء يحول بينكم وبين مصر فانهضوا إليها يا إخواننا فقد انتهى حال القوم إلى أن صارت امرأة من بنات الملوك فيهم تخرج بنفسها وتشتري جارية لتتمتع بها، وما هذا إلّا من ضعف نفوس رجالهم، وذهاب غيرتهم، فانهضوا إليهم فقالوا: السمع والطاعة، فقال: خذوا في حوائجكم فنحن نقدّم الاختيار لمسيرنا إن شاء اللّه(٣).
  قال: وكان للمنصور مملوك اسمه قيصر وكان كاتبا، وكان للمعز المذكور أيضا مملوك اسمه مظفّر، وكانا صقلبيين وكان مظفر يدل على المعزّ لأنّه علّمه الخطّ في صغره فحرّد عليه مرّة وولّى، فسمعه المعزّ يتكلم بكلمة صقلبية استراب
(١) الخطط المقريزية ٢/ ١٥٦ - ١٥٧.
(٢) الخطط المقريزية ٢/ ١٥٦ باختصار.
(٣) الخطط المقريزية ٢/ ١٥٨.