[174] أبو عبد الله منصور بن الزبرقان بن سلمة
  فرمى الرشيد الخوان من بين يديه وقال: هذا واللّه أطيب من كلّ طعام ومن كل شيء، وأمر له بسبعة آلاف دينار، فلم يعطني منها، وشخص إلى رأس العين فأغضبني، فأنشدت الرشيد قوله [من المنسرح]:
  شاء من الناس راتع هامل ... يعلّلون النفس بالباطل
  الأبيات التي مرّ بعضها.
  فقال: أراه يحرّض عليّ إبعثوا إليه من يأتي برأسه، فكلّمه الفضل فلم يغن كلامه، وتوجه إليه الرسول، فوافاه في اليوم الذي مات فيه وقد دفن(١).
  ولقيه العتابي يوما، ومنصور مغموم، فقال له: مالك؟ قال: امرأتي عسر عليها الطلق وهي القيّمة بأمري، فقال العتابي: لم لا تكتب على فرجها «هارون الرشيد» فتلد على المقام، قال: ولم ذلك؟ قال لقولك فيه:
  إن أخلف القطر لم تخلف أنامله ... أو ضاق أمر ذكرناه فيتّسع(٢)
  فقال: يا كشحان واللّه لأبلغنها الرشيد، ففعل وغضب الرشيد على العتابي مدّة بسبب ذلك.
  وقال منصور: كنت واقفا على جسر بغداد أنا وعبيد اللّه بن هشام التغلبي، وقد وخطني الشيب، وهو حدث، فإذا بجارية ظريفة قد وقفت فجعلت أنظر إليها وهي تنظر إلى عبيد اللّه، فقلت [من البسيط]:
  لمّا رأيت سوام الشيب منتشرا ... في لمّتي وعبيد اللّه لم يشب(٣)
  سللت سهمين من عينيك فانتصلا ... على شبيبة ذي الأذيال والطرب
  كذا الغواني مراميهن قاصدة ... إلى الفروع معدّات من الخشب(٤)
  لا أنت أصبحت تعتدّينني أربا ... ولا وعيشك ما أصبحت من أربي(٥)
(١) الأغاني ١٣/ ١٦٧.
(٢) الأغاني ٣/ ١٦٥، زهر الآداب ٣/ ٧٠٣.
(٣) السوام: الإبل الراعية، وعنى به الشيب المتفرق في جوانب الرأس، واللّمة: الشعر المجاور شحمة الأذن.
(٤) القاصدة: المتجهة.
(٥) الأرب: الحاجة.