[179] الخليفة العزيز بالله أبو المنصور نزار
  وذكر المختار أيضا قال: قال لي الحاكم وقد جرى ذكر والده: يا مختار، استدعاني والدي قبل موته، وهو عاري الجسم، وعليه الخرق والضمادات، فاستدناني فقبّلني وضمّني إليه، وقال: يا غمّي عليك يا حبيب قلبي، ودمعت عيناه، ثم قال: إمض يا سيّدي فإني في عافية، فمضيت ولهوت بما يلهى به الصّبيان من اللعب إلى أن نقله اللّه إليه، فبادر إليّ برجوان وأنا في أعلى الدار فقال: إنزل ويحك، اللّه اللّه فينا وفيك، فنزلت، فوضع العمامة بالجوهر على رأسي، وقبّل الأرض وقال: السلام على أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته.
  ثم أخرجني إلى الناس على تلك الهيئة، فقبّل جميعهم لي الأرض وسلّموا عليّ بالخلافة(١).
  قلت: لكن الحاكم ما رعى لبرجوان حق القسم ولا حق البشارة بالخلافة، بل كان موسوسا كالقاهر العبّاسي وأمثاله فأمضى فيه وفي أمثاله العامل، وأتى من التقلّب بما لم تستطعه الأوائل.
  واعلم أن التشيع لم يكن حلّ مصر قبل الخلفاء إلّا في أيام قتل عثمان فإن قتلته مصريّون، ثم أيام كانت مصر في حكم أمير المؤمنين عليّ ثم استولى عليها معاوية فتتبع الشيعة قتلا ولعن عليّا بها أيام ولاية عمر بن العاص وغيره، ثم صارت إلى مروان وأولاده والأمر كذلك إلى أيام عمر بن عبد العزيز ثم إلى العباسيّة فترك اللعن ولم يظهروا التشيع حسدا لبني عمّهم، وأوّل من أظهره بها القائد أبو الحسن جوهر الرومي مولى المعزّ كما ذكرنا في ترجمة المعزّ(٢).
  قال المقريزي: ولما قدم المعزّ إلى القاهرة أمر في رمضان سنة ٣٦٢ فكتب على سائر المساجد بمصر: فخير الناس بعد رسول اللّه ÷ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب #(٣).
  وأمّا قبل ذلك فذكر المقريزي فقال: في أيّام هارون بن خمارويه بن أحمد ابن طولون كان على باب الجامع العتيق شيخان من العامة يناديان في كل جمعة في وجوه الناس من الخاص والعام: «معاوية خالي وخال المؤمنين، وكاتب
(١) وفيات الأعيان ٥/ ٣٧٥ - ٣٧٦.
(٢) ترجمه المؤلف برقم ١٧٢.
(٣) الخطط المقريزية ٢/ ١٥٩.