[185] الخليفة الواثق بالله، أبو جعفر، هارون
  كلّ مكرمة، وأنت أولى بها من غيرك، ومن سائر الناس(١).
  قال الأصبهاني ومما غنّى فيه الواثق فأجاد والشعر لحسّان بن ثابت:
  إنّ التي عاطيتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل
  كلتاهما حلب العصير فعاطني ... بزجاجة أرخاهما للمفصل
  وأوّلها:
  «أسألت رسم الدار أم لم تسأل»
  ومنها:
  أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
  يسقون من ورد البريض عليهم ... بردى تصفّق بالرّحيق السّلسل
  بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل
  يعشون حتى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل(٢)
  بردى بفتح الموحدة والراء والدال المهملة ثم ألف مقصورة: اسم أحد أنهار دمشق وأراد ماء بردا فحذف المضاف على طريقة مجاز الحذف.
  وهذه القصيدة مدح بها حسّان آل جفنة الغسانيين نوّاب الروم على دمشق قبل الإسلام. ولهذين البيتين الأوّلين قصّة تستملح وهي: ما حكى أبو الفرج الأصبهاني أن جماعة من أهل البصرة اجتمعوا على شراب فغنّى أحدهم:
  إنّ التي عاطيتني فرددتها ... فترددوا في ما أراد الشّاعر
  فإنه أفرد في البيت الأوّل وثنّا في البيت الثاني حيث قال: «كلتاهما حلب العصير» فقال رجل منهم امرأته طالق أن بات، أو يسأل القاضي عبد اللّه بن الحسين قاضي البصرة عمّا أراد الشاعر، فسقط في أيدي القوم ليمينه، ثم أجمعوا أن يصيروا إليه، فأتوه وهو في مسجده يصلّي بين العشائين، فلما سمع حسّهم أوجز في صلاته ثم أقبل عليهم فقال: حاجتكم؟ فقالوا: أعزّ اللّه القاضي نحن قوم نزعنا إليك من طرف البصرة، في حاجة مهمّة فيها بعض الشيء، فإن أذنت
(١) الأغاني ٩/ ٣٣١ - ٣٣٢.
(٢) الأغاني ٩/ ٣٢٩ - ٣٣٠.