نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر،

يوسف بن يحيى المؤيد (المتوفى: 1121 هـ)

[185] الخليفة الواثق بالله، أبو جعفر، هارون

صفحة 300 - الجزء 3

  وحكى: أنّه مرض فدخل عليه الحسن بن سهل وابن الزيّات يومئذ وزيره والحسن بن سهل متعطّل، فجعل الحسن يتكلّم في العلّة وعلاجها وما يصلح للواثق من الدواء والغذاء أحسن كلام فحسده ابن الزيات وقال: من أين لك هذا العلم يا أبا محمد؟ قال: إني كنت استصحب من كلّ صناعة رؤساء أهلها فأتعلّم منهم ولا أرضى إلّا ببلوغ الغاية، فقال ابن الزيات: ومتى كان ذلك؟ قال: زمان قلت فيّ:

  فأين لا أين وأنّى مثلكم ... أنتم الأملاك والناس خول

  فخجل أبو جعفر بن الزيات وعدل عن الجواب⁣(⁣١)، وذلك أنه كان فقيرا يعيش من كسب أبيه بالزيت، وكان عاكفا على كتب الأدب فقال له أبوه: انّ اشتغالك بالتكسب في معيشتنا هو الذي ينفعنا، ومع ذلك فإني لا أقوى على ثمن الزيت الذي تسهر عليه في قراءة هذه الكتب، فقال له: سترى ما تصنع لي هذه الكتب.

  فلما أعرس المأمون ببوران بنت الحسين بفم الصلح نظم محمد بن عبد الملك قصيدة هنّأ بها الحسن بصهر المأمون أوّلها:

  كأنّها لمّا تدانى خطوها ... أخنس موشى الشّوى يرعى القلل⁣(⁣٢)

  فخلع عليه الحسن وأعطاه عشرة ألاف درهم فجاء إلى أبيه وصبّها بين يديه، فقال: يا بني من أين هذا المال؟ فأخبره بخبره وقال: أنفقه في ثمن الزيت، فقال: يا بني لا ألومك بعدها، ومن هذه القصيدة البيت المذكور⁣(⁣٣).

  وكان المعتصم أمّيّا واستوزر أحمد بن أبي خالد وكان قليل الأدب، فاتّفق أنه ورد كتاب من بعض العمّال وفيه الكلاء، فقال المعتصم للوزير: ما الكلاء، فلم يعرفه، فضجر المعتصم وقال: خليفة أميّ ووزير عامّي، ثم استدعى ابن الزيات فسأله الكلاء، فقال: النبات فإذا كان رطبا فهو الخلاء، وإن كان يابسا فهو الحشيش، فأعجبه كلامه واستوزره وارتفعت أحواله، وقال الناس: عاد من


(١) الأغاني ٢٣/ ٧٦.

(٢) الأخنس: الثور الوحشي، أو الأسد، الشوى: الأطراف.

(٣) الأغاني ٢٣/ ٥١ - ٥٢.