[185] الخليفة الواثق بالله، أبو جعفر، هارون
  الغضارة إلى الوزارة، ثم استوزره الواثق بعد أبيه، ثم المتوكل حتى قتله في تنّور الحديد لأنه كان يبغضه لأسباب في أيام الواثق، وكان الأدب يعرف قدره ذلك الزمان ويفهم ويعظم والناس ناس، ورحم اللّه السراج الورّاق إذ يقول:
  زعموا لبيدا قال في شعر له ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب
  ثم انتهى الداء العضال فخلفنا ... بلغ الجذام ودهرنا دهر وبي
  وليته رأى هذا العصر فعلم أنّه ملهم.
  وكان بين ابن الزيات الوزير وبين القاضي أحمد بن أبي داود معاداة بسبب قرب القاضي من المعتصم والواثق، وقبول قوله، فبلغ القاضي أنه هجاه بسبعين بيتا فقال:
  أحسن من سبعين بيتا هجا ... جمعك معنا هنّ في بيت
  ما أحوج الملك إلى مطرة ... تذهب عنّا وظر الزيت
  فشق ذلك على محمد، وكان الواثق مؤثرا لكثرة الجماع، فقال للطبيب:
  اصنع لي دواء للباءة، فقال: يا أمير المؤمنين لا تهدم بدنك بكثرة الجماع واتق اللّه في نفسك، فقال: لا بدّ من ذلك فأمره أن يأخذ لحم سبع فيغلى عليه سبع غليات على جمر ويتناول منه إذا شرب وزن ثلاثة دراهم ولا يجاوز هذا القدر، فأمر بذبح السبع فذبح وطبخ له من لحمه فصار يتنقل منه على الشراب فلم يمض إلّا قليلا حتى أصابه الاستسقاء، فأجمع رأي الأطباء أنه لا دواء له إلّا أن يترك في تنور قد سجر بحطب زيتون حتى يصير جمرا ثم يجلس فيه، ففعل له ذلك ومنعوه الماء ثلاث ساعات فجعل يستغيث ويطلب الماء فلم يسقوه فصار في جسده نفّاطات مثل البطيخ، ثم أخرجوه فجعل يقول: ردّوني إلى التنور وإلّا متّ فسكن صياحه، ثم انفجرت تلك النّفاطات وقطر منها ماء فأخرج من التنّور وقد اسودّ جسده، فمات بعد ساعة، ولمّا احتضر أنشد لنفسه:
  الموت فيه جميع الناس تشترك ... لا سوقة تبقى منه ولا ملك
  ما ضرّ أهل قليل في تفاقرهم ... وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا
  ثم أمر بالبسط فطويت، وألصق خدّه بالأرض وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه أرحم من قد زال ملكه، ¦.
  وذكر الثعالبي: أن القاضي أحمد بن أبي داود كان يقول: ما رأيت أضيع