[186] الشريف أبو السعادات هبة الله بن علي بن
  ولا تؤهل دارا، ولا تسرّ جارا، عودها ضئيل، وفرعها ذليل، وخيرها قليل، أقبح البقول مرعى، وأقصرها فرعا، وأشدّها قلعا، بلدها شاسع، وآكلها جائع، والمقيم عليها خانع، فالقوا بي أخا عبس، أردّه عنكم بتعس، واتركه من أمره في لبس» فقالوا: نصبح ونرى رأينا فيك، فقال عامر: انظروا إلى غلامكم هذا يعني لبيدا، فإن رأيتموه نائما فإنّما يتكلّم بما وقع على لسانه، وان رأيتموه ساهرا فهو صاحبه، فرقبوه فإذا هو قد ركب رحلا وهو يكدم وسطه(١) حتى إذا أصبح، فقالوا: أنت صاحبه، فعمدوا إليه وحلقوا رأسه وتركوا له ذؤابة، وألبسوه حلّة ثم غدا معهم وأدخلوه على النّعمان، وهو يتغدّى والربيع يؤاكله وحده، والدار مملوّة من الوفود، فقال لبيد [من الرجز]:
  أكلّ يوم هامتي مقرّعة؟ ... يا ربّ هيجا هي خير من دعه!
  نحن بني أمّ البنين الأربعة ... سيوف حزّ(٢) وجفان مترعه
  نحن خيار عامر بن صعصعه ... الضاربون الهام تحت الخيضعه(٣)
  والمطعمون الجفنة المدعدعه(٤) ... مهلا أبيت اللّعن لا تأكل معه
  إنّ آسته من برص ملمّعه(٥) ... وإنّه يدخل فيها أصبعه
  يدخلها حتّى يواري أشجعه(٦) ... كأنّه يطلب شيئا ضيّعه(٧)
  ورواية: «أودعه».
  فرفع النعمان يده من الطعام وقال: خبّثت واللّه عليّ طعامي يا غلام، وما رأيت كاليوم قطّ، فقال الربيع: كذب واللّه ابن الحمقى ولقد نكت أمّه، فقال له لبيد: مثلك فعل ذلك بربيبة بيته والقريبة من أهله، وانّ أمّي من نساء لم يكنّ فواعل ما ذكرت، وقضى النعمان حوائجهم من وقته وصرفهم، ومضى الربيع إلى منزله، فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه، وأمره بالانصراف إلى أهله،
(١) يكدم وسطه: أي يعضّه.
(٢) سيوف حز: أي سيوف قاطعة.
(٣) أصل الكلام: الخضعة بغير ياء، يعني الجلبة والأصوات، فزاد فيها الياء.
(٤) المدعدعة: المملوءة.
(٥) الملمعة: ذات اللمع، واللمعة، كل لون خالف لونا.
(٦) الأشجع: مغرز الإصبع.
(٧) الأبيات في العمدة ١/ ٥١ باختلاف بسيط.