[188] والد المؤلف، أبو علي، وأبو الحسين، يحيى
  حسدهم له فاصماهم سهاما، وقبر في مسجد الإمام الوشلي وقال الشيخ إبراهيم ابن صالح الهندي وقد بلغه وفاته:
  قد أخبر الركب أن ابن المؤيد قد ... أودى وأصبح تحت التّرب وهو علي
  وان في الوشلي اختير مضرحه ... وكيف يدفن لجّ البحر في الوشلي
  وكان عهد إلى والدي بتلك البلاد، وكان المهدي أحمد بن الحسن وهو أمير إذ ذاك له الميل الكلّي إلى هذا الرأي وهو يومئذ أعظم الرؤساء شوكة وجندا وصولة فعضده وقام في ذلك، لولا أن والدي فعل الأوّاه وقال كما قال أبو العلاء على أم ذفر غضبة اللّه، وبلغ الخبر إلى المتوكل وهو بالسّوده فأرسل ولده محمدا وكان بشهارة، ولما دخل أزال محى ما رسمه الجمال للعماد وأزال، وأرسل عبيد أبي الحسن وعسكر صنعاء إلى أبيه، وكان يقولون في ذلك العصر:
  ان المتوكل على اللّه كان يقصد أن لا يبقي واليا في اليمن إلّا من أولاده، فلذلك قبض بلاد الأمير السيد العظيم محمد بن الحسن بعد موته وولّاها ولده جمال الدين عليّا وفعل ذلك بغيره، واللّه أعلم.
  وتشتّت ذلك الجمع السالم، واغتاض البدر عن البلدة من العلوم بالنّعايم.
  وكان ممن أجمع على فضله وعلمه الصّديق والكاشح، ولم تكن له همّة غير قراءة كتب العلوم في وسط النهار، وتلاوة كتاب اللّه بين الشروق والأسحار، والصلاة التي تقرّ عين السجّاد ذي الثفنات، ولم يكن يفتر عن تسبيح الأصابع ساعة من ساعات عمره، وكان يحفظ الكتاب غيبا إذا رآه في مرّة واحدة ويذاكر بكلّ ما سمع من الأحاديث كما هي مع زيادات يستنبطها، وإذا دخل على العالم الفذّ حلقته وكلّمه في مسائل ما يفيد قطعه، فيطبق الكتاب ويعود مستمليا منه الفوائد حتى يخال أنه لم يخرج من الكتاب، وكانت هذه عادة جارية في حديثه.
  وكان عالما مجتهدا بحرا في علوم الحديث، حافظا جائلا في صهوة التاريخ إماما في الفرعيّات قد انتقشت أصناف العلوم في حافظته انتقاش الخمسة الأشباح في الجنان الفساح.
  وأخذ الطبّ عن الحكيم محمد بن صالح وأجاز له، ورأيت الإجازة بخطّه، وأخبرني الفقيه الأديب أحمد بن محمد الظّبوي أحد أصحابه: أنّه حجّ معه في بعض السنين، فجاءه جماعة من أكابر علماء مصر فذاكروه في أنواع العلوم،