الحسني الصنعاني
  عليك فلتبك عين المجد ما بقيت ... وتلطم الخد كف العلم والنظر
  تقصفت بعدك السمر اللدان وما ... أرضى المجالد حدّ الصارم الذكر
  وأي عين عليه غير باكية ... وأي قلب عليه غير منفطر
  لكنه الدهر لا يبقي على أحد ... وإنما عيشنا من جملة الغرر
  لم ينج منه الذي ما بات يرقبه ... وليس يسلم منه صاحب الحذر(١)
  - قال يرثي ولده إسحاق(٢)، وكان شديد الحب له، فلم يلبث إلّا يسيرا حتى توفي، فاشتدت أحزانه وتضاعفت أشجانه، بقصيدة مطلعها:
  ضاقت علي رحيبة الأوطار ... ومضى اصطبار حشاشتي ووقاري
  لما ارتحلت إلى البلا قسرا وما ... قد كنت تدري شدّة الأقسار
  منها:
  واللّه ما أبكي لحزني والجوى ... وحرارتي وشواظ قلبي الواري
  إلا لسقمك والذي قاسيته ... تلقاي من ضيق وحرّ أوار
  عشر وخمس ذوّبتك كأنها ... نار تذّوب منك صفو نضار
  حتى اغتديت وكنت بدرا كاملا ... مثل الهلال عشيّة الإفطار
  بأبي أنينك ذاك ملء مسامعي ... وتململ اليمنى وذات يسار
  وشكاك لي بضعيف صوتك علة ... وإجابتي بالمدمع المدرار
  ألبست ثوب الدّا وكنت مؤملا ... لبس القباء مرّصع الأزرار
  وقصفت غصنا حين أورق وابتدت ... تفتر منه مباسم الأنوار
  وسقيت سمّ الحادثات ولم يفد ... إطفاؤه بمدامعي الأنهار
  علل قوين على ضعيف باهت ... وعقرنه وهربن بالعقّار
  خفقان قلب والتهاب جوانح ... منعاه طيب الليل والأبكار
  يا وحشتي لنحيل جسم ذابل ... أودت به الأخطار كالخطّار
  وجميل وجه كان جنّة خاطري ... وفقدته فعرفت طعم النار
  لم يبق منه السقم غير بقيّة ... لولا الأنين خفت على الزوّار
  ودعوت لي قبل الوداع وليتها ... قبلت لك الدعوات في الأسحار
(١) المقطوعة في ترجمة زيد برقم ٧٤، وبعضها في نشر العرف ١/ ٧٠٧.
(٢) ذكره المؤلف ضمن الترجمة رقم ١١٣.