[7] أبو حامد، أحمد بن محمد الأنطاكي
  قلت: هذه الأبيات مع تضمنّها المجون الذي يقوم مقام جوارش العنبر في تفريح القلب، فيها أيضا من الحكمة وهي قوله:
  قد عشت دهرا أعول عقلي ... والناس إذ ذاك يبعدوني
  والذي بعده، والذي تقول العامّة: «من تجانن قضى حاجته»، ولا سيما وقتنا وبلدنا، فالعيش فيه بالجنون أنفع من الكيمياء، والعقل أشرف ما حلي به الإنسان، ولكنه حجاب عن الشهوات الطيبة التي تذم لمشاركة الحيوان غير الناطق للإنسان فيها ولا بد منها إلّا لقليل من الناس منحوا الصبر عنها.
  ورأى الحسن البصري(١) رجلا عليه ثياب حسنة وله بزّة جميلة فسأل عنه فقيل أنه يضرّط للملوك فيضحكهم فيجيزونه، فقال: ما دخل أحد للدنيا من بابها وأخذها بما يشبهها إلّا هذي.
  وحدّث مدرك بن محمد الشيباني قال: حدثني أبو العنبس الصيمري قال:
  قلت لأبي العبر العباسي الأحمق: ويلك أي شيء يحملك على هذا السخف الذي ملأت به الأرض، وأنت أديب مليح الشعر؟ فقال لي: يا كشحان تريد أن أكسد أنا، وتنفق أنت، أنت أيضا شاعر فهم متكلّم قد تركت العلم وصنفت في الرقاعة نيفا على ثلاثين كتابا، أحبّ أن تخبرني لو نفق العقل أكنت تقدّم على البحتري وقد قال في الخليفة بالأمس:
(١) الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد: تابعي، كان إمام أهل البصرة، وهو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء الشجعان النساك. ولد بالمدينة سنة ٢١ هـ، وشبّ في كنف علي بن أبي طالب، واستكتبه الربيع بن زياد والي خراسان في عهد معاوية، وسكن البصرة. وعظمت هيبته في القلوب فكان يدخل على الولاة فيأمرهم وينهاهم، وكان أبوه من أهل ميسان، مولى لبعض الأنصار. قال الغزالي: كان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء، وأقربهم هديا من الصحابة.
وكان غاية في الفصاحة تتصبب الحكمة من فيه. وله مع الحجاج ابن يوسف مواقف: وقد سلم من أذاه. ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه: إني قد ابتليت بهذا الأمر فانظر لي أعوانا يعينونني عليه. فأجابه الحسن: أما أبناء الدنيا فلا تريدهم، وأما أبناء الآخرة فلا يريدونك، فاستعن باللّه. أخباره كثيرة، وله كلمات سائرة وكتاب في «فضائل مكة - خ» بالأزهرية. توفي بالبصرة سنة ١١٠ هـ. ولإحسان عباس كتاب «الحسن البصري - ط».
ترجمته في:
تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال ١/ ٢٥٤، وحلية الأولياء ٢/ ١٣١، وذيل المذيل ٩٣، وأمالي المرتضى ١/ ١٠٦، والأزهرية ٣/ ٧٢٥، الإعلام ط ٤/ ٢ / ٢٢٦.