[194] أبو يوسف، يعقوب بن إسحاق اللغوي، الإمام
  نفسي تروم أمورا لست أدركها ... ما دمت أحذر ما يأتي به القدر
  ليس ارتحالك في كسب الغنى سفرا ... لكن مقامك في ضرّ هو السفر(١)
  ولمّا ألزمه المتوكل بتأديب ابنه المعتز قال له أوّل ما حضر لديه: بأيّ شيء يريد الأمير أن يبدأ به من العلوم؟ قال المعتز: بالانصراف، قال يعقوب: فأقوم، قال المعتز: أنا أخفّ منك وقام مستعجلا فعثر بسراويله فسقط والتفت إلى يعقوب وقد احمرّ وجهه خجلا، فأنشد يعقوب:
  يصاب الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يصاب المرء من عثرة الرّجل
  فعثرته في القول تذهب رأسه ... وعثرته بالرجل تبرا على مهل(٢)
  فدخل يعقوب من الغد على المتوكل فأخبره بذلك فأمر له بخمسين ألف درهم.
  قلت: وطاح أبو يوسف بعثرة اللّسان التي حذر منها.
  ومن شعره:
  ومن الناس من يحبّك حبّا ... ظاهر الحبّ ليس بالتقصير
  فإذا ما سألته عشر فلس ... ألحق الحبّ باللطيف الخبير(٣)
  لقد تلطّف في قوله: «الحق الحبّ باللطيف الخبير» وهو من قول أبي العتاهية:
  أنت من صاحبك الدهر ... ما استغنيت أخوه
  فإذا احتجت إليه ... ساعة مجّك فوه
  وقد سبق نظيرهما لأبي بكر البلدي الخباز.
  ومن شعر يعقوب [من الوافر]:
  إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق لما به الصدر الرحيب
  وأوطنت المكاره واستقرّت ... وأرست في أماكنها الخطوب
(١) وفيات الأعيان ٦/ ٣٩٤ - ٣٩٥.
(٢) وفيات الأعيان ٦/ ٣٩٩.
(٣) وفيات الأعيان ٦/ ٣٩٩.