[195] أبو الفرج، يعقوب بن يوسف بن إبراهيم بن
  فلم يمض غير ثلاثة أيام أو أربعة حتى وصلت الحمام كلها ولم يتأخر منها إلا نحو عشرة وعلى أجنحتها الكواغد فاستخرج منها القراصيا وعملها في طبق من ذهب وغطّاه وبعثه إلى العزيز مع خادم وركب معه وقدّم ذلك، وقال: يا أمير المؤمنين قد حضر بإقبالك القراصيا، فإن كفى هذا القدر وإلّا استدعينا شيئا آخر فأعجب به العزيز.
  واتّفق: أن العزيز سابق بين الطيور، فسبق طائر الوزير طائر العزيز، فشقّ ذلك على العزيز، ووجد الأعداء الطعن عليه، فكتبوا إلى العزيز أنه قد اختار من كلّ صنف أعلاه حتى الحمام، فبلغ ذلك الوزير، فكتب إلى العزيز:
  قل لأمير المؤمنين الذي ... له العلى والنسب الثاقب
  طائرك السابق لكنّه ... لم يأت إلّا وله حاجب(١)
  وفي رواية ابن خلكان: «وافى وفي خدمته حاجب».
  فأعجب العزيز ذلك وأعرض عما وشي به، ولم يزل على حالة رفيعة وكلمة نافذة، إلى أن ابتدأت به العلّة يوم الأحد الحادي والعشرين من شوال سنة ثمانين وثلاثمائة، ونزل إليه العزيز باللّه يعوده وقال له: وددت أنك تباع فابتاعك بمالي، أو تفدى فأفديك بولدي، فهل من حاجة توصي بها يا يعقوب؟ فبكى وقبّل يده، وقال: أما فيما يخصني فأنت أرعى لحقي من أن أستوعيك إياه، وأرأف عليّ من أن أوصيك، ولكنني أفصح لك فيما يتعلّق بدولتك: سالم الروم ما سالموك، واقنع من الحمدانية بالدعوة والسكة، ولا تبق على مفرّج بن دغفل ان عرضت لك فيه فرصة، وانصرف العزيز، فأخذت يعقوب السكتة، وكان في سياق الموت يقول لا يغلب اللّه غالب، ثمّ قضى نحبه ليلة الأحد لخمس خلون من ذي الحجة، فأرسل العزيز إلى داره الكفن والحنوط، وتولّى غسله القاضي محمد بن النعمان، وقال: كنت أغسل لحيته وأنا أرفق به خوفا أن يفتح عينيه في وجهي، وكفّن في خمسين ثوبا ما بين مثقّل أي منسوج بالذهب، ووشي مذهب، وشرب ديبقي مذهب، ومائة حقة كافورا، وقارورتين مسكا، وخمسين منّا ماء ورد، وبلغت قيمة الكفن والحنوط عشرة آلاف دينار، وخرج مختار الصقليّ وعلي بن عمر العداس بالرجال بين أيديهم ينادون: لا يتكلّم اليوم واحد ولا ينطق، وقد
(١) وفيات الأعيان ٧/ ٣١.