[19] أبو العلاء، أحمد بن عبد الله بن سليمان
  رأيت أعمى شاعرا ظريفا يلعب بالشطرنج والنرد، ويدخل في كل شيء من الجدّ والهزل، يكنى أبا العلا، وسمعته يقول: أنا أحمد اللّه تعالى على العمى، كما يحمده غيري على البصر.
  قلت: والشاهد قوله:
  قالوا: العمى منظر قبيح ... قلت: بفقدانكم يهون
  واللّه ما في الوجود شيء ... تأسّى على فقده العيون
  قال: وهو من أهل بيت علم ورئاسة وفضل، وحوله جماعة من أقاربه قضاة وعلماء وشعراء، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشر سنة واثنتي عشرة، ورحل إلى بغداد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ودخل على الشريف أبي القاسم الموسوي فعثر برجل، فقال: من هذا الكلب، فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما، فسمعه المرتضى فأدناه واختبره فوجده عالما مشبّعا بالفطنة، فأقبل عليه إقبالا كثيرا.
  والنكتة التي إليها في ترجمة المتنبي لأبي العلاء مع المرتضى هي أن أبا العلاء كان يتعصّب للمتنبي، والمرتضى ينتقصه، فجاراه يوما وعندهما جماعة من أهل الأدب مختلفين فيه، فقال أبو العلاء: لو لم يكن للمتنبي إلّا القصيدة التي أوّلها:
  لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت وهنّ منك أواهل
  فأمر المرتضى بإخراجه، وقال: أتدرون ما أراد الأعمى؟ إنما أراد قوله منها:
  وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
  وكان قد ارتحل إلى طرابلس قبل رحلته إلى بغداذ، وكان بها خزائن علم موقوفة، فأخذ منها ما أخذ من العلم، واجتاز باللاذقية ونزل ديرا كان به راهب عالم بأقاويل الفلاسفة فأخذ عنه، فلذلك أنكر منه بعض قوله، وبعد عوده من بغداد لزم بيته وسمّى نفسه رهين المحبسين يعني البيت والعمى.
  وذكر تلميذه أبو زكريا التبريزي: أنه كان قاعدا في مسجده بمعرّة النعمان بين يدي أبي العلاء يقرأ شيئا من تصانيفه قال: وكنت قد أقمت عدّة سنين ولم أر